في «فتاوي النسفي» : سئل شيخ الإسلام عن أهل قرية تفرقوا وتداعى مسجد القرية إلى الخراب وبعض المتغلبة يستولون على حسب المسجد وينقلون إلى ديارهم هل لواحد من أهل القرية ان يبيع الحسب بأمر القاضي ويمسك الثمن ليصرفه إلى بعض المساجد وإلى أهل المسجد؟ قال: نعم، وحكي أنه وقع مثل هذه الواقعة في زمن السيد الإمام الأجل في رباط في بعض طرق سعد، ولا ينتفع المارّ به وله أوقاف عامرة فسئل هل يجوز صرفها إلى رباط آخر ينتفع الناس به؟ قال: نعم؛ لأن الواقف غرضه من ذلك انتفاع المارة ويحصل ذلك من الثاني.
رجل (وقف) دابة أو سيفاً في رباط وقفاً على الرباط فخرب الرباط واستغنى الناس عنها، يربط في رباط آخر هو أقرب الرباط إليه، وقد مر جنس هذا فيما تقدم، وإذا اجتمع في يد القيم غلة وقف الفقراء وظهر له وجه من وجوه البر يخاف فواته إن لم يبادر إليه.... الوقف فإنه ينظر إن لم يكن في تأخير مرمة الوقف إلى الغلة الثانية ضرر بيّن بالوقف للخراب فإنه يصرف الغلة إلى وجه ذلك البر ويؤخر العمارة إلى الغلة الثانية؛ لأن الجمع بينهما ممكن، وإن كان في تأخير العمارة ضرر بيّن فإنه يصرف العمارة إلى مرمة الوقف وما فضل صرف إلى ذلك البر؛ لأن عمارة الوقف أهم من إدراك ذلك البر؛ لأن الوقف إذا خرب انقطعت....، وإذا عمر يصير ممكناً إدراك الآخر إن فات هذا البر، وإن المراد من وجه البر هنا ما يكون فيه تصدق بالغلة على نوع من الفقراء نحو فكّ أسارى المسلمين أو إعانة منقطع من الغزاة أو ما أشبه ذلك؛ (٢٧ب٣) لأن هذا الوقف على الفقراء والأسراء والمنقطعة فقراء، فكانوا من أهل التصدق عليهم، فأما عمارة مسجد أو رباط ونحو ذلك مما ليس بأهل للتملك فلا يجوز صرف هذه الغلة إليه؛ لأن التصدق عبارة عن التملك فلا يتصدق إلا فيمن هو أهل للملك والله أعلم.
في «فتاوي أهل سمرقند» : علو وقف انهدم وليس له من الغلة ما يمكن عمارة العلو؛ بطل الوقف ورجع حق البناء إلى الواقف إن كان حياً وإلى ورثته إن كان ميتاً، هكذا ذكر هنا في هذه المسألة، وجنس هذه المسألة قال الصدر الشهيد رحمه الله: فيه نظر؛ لأن الوقف بعدما صح بشرائطه لا يبطل إلا في مواضع مخصوصة.
ومن هذا الجنس قال: حوض في محلة خرب وصار بحيث لا يمكن عمارته واستغنى أهل المحلة عنه، إن كان يعرف واقفه يكون له إن كان حياً ولورثته إن كان ميتاً، وإن كان لا يعرف واقفه كاللقطة في أيديهم يتصدقون على فقير ثم يبيعه الفقير فينتفع بالثمن، ومن هذا الجنس قال: حانوت هو وقف صحيح احترق السوق والحانوت وصار بحال لا ينتفع به ولا يستأجر بشيء إليه يخرج من الوقفية، ومن هذا الجنس قال: الرباط إذا احترق يبطل الوقف ويصير ميراثاً. ومن هذا الجنس قال: منزل موقوف وقفاً صحيحاً على مقبرة معلومة فخرب هذا المنزل وصار بحال لا ينتفع به فجاء رجل وعمره وبنى فيه