المشتري فقد سقط حق البائع في المطالبة فيبطل حقه بالحبس، أما إذا أحال المشتري الباقي على رجل فحق المطالبة للبائع قائم، لكن المشتري أقام غيره مقامه في حق تحمل المطالبة فلا يبطل حق البائع في الحبس.
وفي «المنتقى» رواية مجهولة: لو أحال البائع غريما من غرمائه على المشتري بالثمن مؤجلا فلم يقبض المشتري حتى حل الأجل كان له قبضه قبل نقد الثمن وليس للبائع منعه؛ لأن حق البائع في الحبس سقط بالتأجيل والساقط متلاشي لا يقبل العود، ولو أحله بالثمن سنة غير معينة فلم يحضر المشتري حتى مضت السنة فالأجل سنة من حين يقبض المبيع في قول أبي حنيفة، وإن كانت سنة بعينها صار الثمن حالا، وقال أبو يوسف ومحمد: الثمن حال في الوجهين؛ لأن مطلق الأجل ينصرف إلى ما يلي العقد كمدة الإجارة، فاستوى المعين وغير المعين، ولأبي حنيفة رحمه أن التأجيل إنما شرع نظراً للمشتري لتتأخر عنه المطالبة بالثمن مع حصول الانتفاع له بالبيع والتصرف في المبيع في مدة الأجل ليؤدي الثمن عند مضي الأجل ويستفصل لنفسه أشياء.
وهذا المعنى إنما يحصل باعتبار الأجل من وقت القبض فيجب اعتباره ما أمكن، وقد أمكن اعتباره إذا كانت السنة غير معينة، فأما إذا كانت معينة فلأنها إذا كانت معينة فأتت لو بينا التأجيل في سنة أخرى كان هذا إثباتاً للحكم في غير المحل الذي تناوله اللفظ وهذا لا يجوز، بخلاف ما إذا لم تكن السنة معينة، ولو كان في المبيع خيار لهما أو أحدهما والأجل مطلق فابتداؤه من حين يلزم العقد، وأما في خيار الرؤية فالأجل يعتبر من حين العقد؛ لأن التأجيل لتأخير المطالبة إلى وقت مضي الأجل، وذلك إنما يكون في موضع يجب البدل لولا التأجيل، وذلك من وقت لزوم العقد، فأما خيار الرؤية فلا يمنع وجوب الثمن ولا يوجب المطالبة بالثمن، فاعتبر التأجيل من وقت العقد، وتسليم البيع: هو أن يحل بين المبيع وبين المشتري على وجه يتمكن المشتري من قبضه من غير حائل، كذا التسليم في جانب الثمن، وقال الشافعي رحمه: التخلية ليست بقبض والصحيح مذهبنا؛ لأن التسليم مستحق على الإنسان يجب أن يكون له طريق الخروج عن عهدته بنفسه، لو قال لوقف ذلك على وجود الفعل من غيره، وذلك الغير مختار في الفعل يبقى هو في عهدة الواجب، وإذا اشترى حنطة بعينها وخلى البائع بينها وبين المشتري في بيت البائع فعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا يصير المشتري قابضا حتى لو هلكت هلكت من مال البائع، وعلى قول محمد يصير المشتري قابضاً حتى لو هلكت هلكت من المشتري، وعلى هذا الخلاف إذا اشترى خلا في دن وخلى البائع بين المشتري وبين الدن في بيت البائع وختم المشتري على الدن صار المشتري قابضا للحال عند محمد خلافا لأبي يوسف.
حجة محمد أن التخلية من البائع قد صحت؛ لأن صحتها بإزالة البائع يده، وقد زالها حين خلى بينه وبين الطعام، فيجب أن يصير قابضا، كما لو خلى في غير بيت البائع، ولأبي يوسف أن صحة التخلية بزوال يد البائع إن زالت حقيقة لم تزل من حيث الحكم؛ لأن البيت وما فيه في يد البائع حكماً.