الأول: أنه يكون في البلد نقد واحد معروف في هذا الوجه جاز العقد، وينصرف إلى نقد البلد بحكم العرف؛ لأن الناس يتبايعون بنقد البلد والمعروف كالمشروط.
الوجه الثاني: إذا كان في البلد نقود مختلفة، وإنه على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون الكل في الرواج على السواء ولا صرف لبعضها على البعض، وفي هذا الوجه جاز العقد، وإن كان الثمن مجهولاً إذ لم يصر نقد من النقود معلوماً لا بحكم العرف ولا بحكم التسمية إلا أن هذه (٤٢ب٣) جهالة لا توقعهما في منازعة مانعة من التسليم والتسلم، وإن كان لبعضها صرف على البعض والكل في الرواج على السواء كما في العطارف العدال في الزمان السابق لا يجوز البيع؛ لأن الجهالة ههنا توقعهما في المنازعة المانعة من التسليم، وإن كان لبعضها فضل على البعض إلا أن واحداً منهما أروج، فإنه يجوز لأن العقد ينصرف إلى الرواج.
في «كتاب الصرف» أيضاً: إذا اشترى الرجل مئة فلس بدرهم فنقد الدرهم ولم يقبض شيئاً من الفلوس حتى كسدت الفلوس، فالقياس: أن لا ينقض العقد، ويتخير المشتري إن شاء قبضها كذلك، وإن شاء فسخ العقد وأخذ الدراهم كما لو تعيب المبيع قبل القبض، وبالقياس أخذ زفر. وجه ذلك: أن بالكساد لم يهلك ما تعلق العقد به قبل القبض بل تعيب؛ لأن العقد في جانب الفلوس تعلق بها من حيث إنها ثمن؛ لأن الفلوس صارت ثمناً باصطلاح الناس، وبالكساد لم تزل الثمنية من كل وجه؛ لأن بعد الكساد يباع وزناً والموزون ثمناً، وإذا بقيت الثمنية من وجه بقي ما تعلق به العقد لكنه صار معيباً من حيث إنه لم يبقَ ثمناً باعتبار العدد، والعيب لا يوجب انتقاض المبيع إنما يوجب الخيار كما لو تعيب المبيع قبل القبض.
وكما لو اشترى شيئاً بقفيز رطب في الذمة ثم انقطع أوانه فهذا هو وجه القياس، وفي «الاستحسان» : ينتقض العقد كالمبيع إذا هلك قبل القبض. بيانه: أن العقد في جانب الفلوس تعلق بها من حيث إنها ثمن باعتبار العدد وبالكساد بطلت الثمينة باعتبار العدد، فإن بعد الكساد يباع وزناً لا عدداً، وقولنا بلا خلاف انتباه إلى أن بعد الكساد وإن كانت تباع وزناً، والموزون يصلح ثمناً؛ لأن الثمنية من حيث الوزن لم تحدث بالكساد حتى يجعل حلها عن الثمنية من حيث العدد، وإنما زالت الثمنية من حيث الوزن بالاصطلاح على الثمنية من حيث العدد، فإذا زالت بالاصطلاح على العدد عادت الثمنية باعتبار الوزن الذي كان في الأصل بسبب الكساد، وليس كالمبيع إذا هلك وجب القيمة؛ لأن هناك القيمة وجبت بسبب القتل؛ لأنها لم تكن واجبة قبل القتل بل وجبت ابتداءً بمقابلة المبيع، فكانت خلفا عن المبيع بخلاف الرطب إذا انقطع أوانه؛ لأن هناك ما تعلق به العقد لم يهلك؛ لأن العقد متعلق بالرطب من حيث إنه ثمن، وثمنية الرطب من حيث إنه مكيل وقد بقي مكيلا بعد الانقطاع، إلا أنه لا يوجد في أيدي الناس والشراء بثمن ليس عنده حالة العقد ولا عند آخر جائز، فإنه لو اشترى برطب والرطب منقطع عن أيدي الناس يجوز، فلأن يبقى أولى.