وإذا اشترى شيئاً بدراهم هي نقد البلد ولم ينقد الدراهم حتى تغيرت، فإن كانت تلك الدراهم لا تروج اليوم في السوق فسد البيع؛ لأنها هلكت، وإن كانت تروج ولكن انتقصت قيمتها لا يفسد البيع، وليس للبائع إلا ذلك؛ لأنها لا تهلك.
وفي «عيون المسائل» : إن عدم الرواج إنما يوجب فساد البيع إذا كان لا يروج في جميع البلدان؛ لأنه حينئذ يصير هالكاً ويبقى البيع بلا ثمن، فأما إذا كان لا يروج في هذه البلدة ويروج في غيرها، فلا يفسد المبيع؛ لأنه لم يهلك ولكنه يعيبه، فكان للبائع الخيار: إن شاء قال: أعط مثل النقد الذي عليه البيع، وإن شاء أخذ قيمته ذلك دنانير، قالوا: وما ذكر في «العيون» مستقيم على قول محمد رحمه الله، أما لا يستقيم على قولهما إذ يكتفي لفساد المبيع في كل بلدة بالكساد في تلك البلدة بناء على اختلافهم في بيع الفلس بالفلسين عندهما يجوز اعتباراً لاصطلاح بعض الناس، وعند محمد رحمه الله: لا يجوز اعتباراً لاصطلاح الكل، والكساد يجب أن يكون على هذا القياس أيضاً.
وذكر في كتاب الصرف: إذا اشترى بدراهم ونقد الثمن ولم يقبض الفلوس حتى كسدت بطل البيع استحساناً، وإن كان قبض الفلوس ولم يقبض الدراهم حتى كسدت الفلوس، فالبيع جائز والدراهم دين على حالها؛ لأن العقد قد انتهى في الفلوس بالقبض، فهلاكها بالكساد لا يؤثر في العقد.
ولو اشترى بفلوس فاكهة أو غيرها وقبض ما اشترى ولم ينقد الفلوس حتى كسد بطل استحساناً.
وفي «القدوري» في باب استقراض الفلوس: إذا اشترى بفلوس وكسدت قبل القبض فسد العقد في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يفسد العقد وفي «المنتقى» : إذا كسدت الفلوس قبل القبض فعلى المشتري قيمة الفلوس في قول أبي يوسف، وهذه إشارة إلى أن العقد لا يفسد على قوله.
وذكر محمد في كتاب الرهن مسألة تدل على أن البيع لا ينتقض بهلاك الفلوس قبل القبض، وصورتها: رجل رهن من آخر فلوساً تساوي عشرة بعشرة، فكسدت فهي رهن على حالها حتى لو هلكت هلكت بالعشرة، ولو كان الكساد بمنزلة الهلاك لسقط الدين بمجرد الكساد، والمشايخ اختلفوا في هذه المسألة، بعضهم قالوا: ينتقض البيع كما ذكر في كتاب الصرف، وبعضهم قالوا: لا ينتقض، واستدلوا بمسألة الرهن. وكان الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله يصحح رواية كتاب الصرف، وشيخ الإسلام يصحح رواية الرهن، وهذا القائل يقول معنى قول محمد في كتاب البيع يبطل البيع أنه يخرج من أن يكون لازماً حتى لا يجبر البائع على القبض دفعا للضرر عنه، أما لو اختار البائع الأخذ فله ذلك.
وعن أبي يوسف أنه إذا اشترى فلوساً بدراهم أو دنانير وكسدت الفلوس قبل القبض بطل البيع، وإذا اشترى بالفلوس شيئاً فاكهة أو عرضاً وكسدت الفلوس قبل القبض لا يبطل البيع، والفرق: أن الفلوس الرائجة ثمن بيع الفلوس والشراء بها بيع الثمن والشراء،