وبالكساد تصير مبيعة بمقابلة الدراهم والدنانير؛ لأن الدراهم والدنانير أثمان من كل وجه، فلو اتقينا ذلك البيع اتقينا على المبيع، وإنه ما ورد على المبيع فبطل ضرورة، فأما بمقابلة العرض والفاكهة يمكن أن يجعل الفلوس الفاسدة ثمناً؛ لأن العرض والفاكهة مبيع والفلوس بمقابلة المبيع يمكن أن تجعل ثمناً باعتبار أنه عددي متقارب كالجوز وغيره.
وفي «المنتقى» : إذا اشترى فلوساً بدراهم وبمد من دقيق بعينه، فقبض المد والدراهم ولم يقبض الفلوس حتى كسدت فسد البيع في قياس أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: ينتقض البيع في حصة الدراهم ويجوز في الدقيق بحصته وعليه قيمة الفلوس تلك الحصة من الدراهم أو الفلوس هذا إذا كسدت الدراهم أو الفلوس قبل القبض، فأما إذا غلت بأن ازدادت قيمتها، فالبيع على حاله ولا يخير المشتري، وإذا انتقصت قيمتها فالبيع على حاله ويطالبه بالدراهم بذلك العنان الذي كان وقت البيع.
وفي «المنتقى» : إذا غلت الفلوس قبل القبض أو رخصت، قال أبو يوسف رحمه الله: قولي وقول أبي حنيفة في ذلك سواء وليس له غيرها، ثم رجع أبو يوسف وقال: عليه قيمتها من الدراهم يوم وقع البيع ويوم وقع القبض، والذي ذكرنا من الجواب في الكساد فهو الجواب، والانقطاع إذا انقطعت الدراهم عن أيدي الناس قبل القبض فسد المبيع عند أبي حنيفة، وحد الانقطاع أن لا يوجد في السوق وإن كان يوجد في يد الصيارفة في البيوت، وقيل: إذا كان يوجد في يد الصيارفة فهو ليس بمنقطع، والأول أصح وسيأتي جنس هذه المسائل في مسائل السلم (٤٣أ٣) إن شاء الله.
وفي «المنتقى» : قال أبو حنيفة: كل ما يكال أو يوزن إذا كان ثمناً بغير عينه وقد انقطع عن أيدي الناس أن الطالب بالخيار إن شاء أخره إلى الجديد، وإن شاء أخذ قيمة بيعه، فقد حكم بفساد العقد حتى أوجب قيمة المبيع، وقال أبو يوسف: إن شاء أخره إلى الجديد، وإن شاء أخذ قيمة الثمن قبل انقطاعه بلا فضل، ولأبي يوسف في هذا قول آخر أن عليه قيمة الثمن يوم وقع البيع وهو قوله وعليه الفتوى. وكذلك الدراهم والفلوس إذا انقطع عن أيدي الناس قبل القبض، فللبائع قيمة الدراهم والفلوس يوم وقع البيع في قول أبي يوسف الآخر وعليه الفتوى.
وروى بشر عن أبي يوسف في «الأمالي» في رجل اشترى من عبده شيئاً بألف درهم غلة، والغلة يوم اشترى طبرية ويزيدية، فكسدت الطبرية فإن عليه أن يعطيه غلة سوى الطبرية ما يقع عليه اسم الغلة، وإن أبى واحد منهما أجبر عليه. ولو باع سلعة بكذا ديناراً حتى كان له نقد الناس، فكسد صنف من الدنانير ما كان يجوز مثله فله نقده من الدنانير التي تجوز بين الناس، ولو باع شيئاً بدراهم مسماة مكروهة فكسد صنف من المكروهة أي المكحلة، فإن عليه أن يعطيه الصنف الباقي منها، ولو باعه بألف درهم طبرية والطبرية على صنفين صنف غلة وصنف نقد بيت المال كان له الطبرية الغلة الجائزة بين الناس. ولو كسدت لم يكن له من الطبرية المقدسي، وإنما له قيمة الكاسدة من الذهب، وهذا قول أبي يوسف فقد أشار إلى أن البيع لا يفسد بالكساد إذ لو فسد لوجب قيمة المبيع، ثم