بيانه: فيما إذا كان له على رجل دينار، فاشترى الدينار الذي عليه بعشرة دراهم حتى كان العقد صرفاً، أو تفرقاً قبل نقد العشرة كان باطلاً.
وكذلك إذا كان عليه فلوس أو طعام فاشترى ما عليه بدراهم حتى لم يكن العقد صرفاً وتفرقا قبل نقد الدراهم كان العقد باطلاً، وهذا افتراق بعد قبض أحد البدلين حكماً؛ لأن ما في ذمة أحدهما مقبوضة وهذا فصل يجب حفظه والناس عنه غافلون.
فإن العادة فيما بين الناس إن كان له على آخر حنطة أو شعير أو ما أشبه ذلك فصاحبها يأخذ ممن عليه عند غلاء الشعير حطاً بالذهب أو بالفضة ويسمون ذلك فيما بينهم كندم رابها كردن، فإنه فاسد لكونه افتراقاً عن دين بدين، وإنما جاز هذا العقد بعد قبض البدلين حقيقة أو حكماً لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فإنه سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: إني أكري الإبل من البقيع إلى مكة بالدراهم وآخذ مكانها دنانيراً أو بالدنانير وآخذ مكانها دراهم، فقال عليه السلام:«لا بأس بأن تأخذ بسعر يومها وقد افترقتما وليس بينكما عمل» معناه إذا افترقتما ولا يبقى أحد البدلين ديناً لأحدكما في ذمة الآخر بعد ما تفرقتما، فقد جوز رسول الله عليه الصلاة والسلام بيع الدين بالدين وإن كان صرفاً إذا تفرقا وليس بينهما عمل على التفسير الذي قلنا، وإذا جاز هذا في الصرف جاز فيما ليس بصرف من الطريق الأولى وصار هذا البيع مستثنياً عن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله عليه الصلاة والسلام «نهى عن بيع الكالئ بالكالئ» أي: الدين بالدين.
وأما إذا تفرقا بعد قبض أحد البدلين حقيقة فإن كان صرفاً، فالعقد باطل؛ لأنهما افترقا وقد بقي بينهما عمل فإن أحد البدلين بقي ديناً لأحدهما على صاحبه فيحتاج إلى قبضه بعد ما تفرقا عن المجلس، ورسول الله عليه الصلاة والسلام جوز بيع الدين بالدين في الصرف إذا افترقا وليس بينهما عمل لم يكن داخلاً تحت المجوز، فيكون داخلاً تحت المحرم وهو النهي عن بيع الدين بالدين.
وإن لم يكن صرفاً فالعقد جائز؛ لأن البدل المقبوض صار عيناً بالقبض فيكون هذا افتراقاً عن عين بدين وإنه لا يفسد العقد في غير الصرف وعلى هذا جميع بياعات الناس، وأما إذا تفرقا بعد قبض أحد البدلين حكماً لا يجوز سواء كان عقد صرف أو غير صرف؛ لأنهما افترقا عن دين بدين وإنه يفسد العقد صرفاً كان أو غير صرف.
وإذا اشترى دراهم بيضاء فأعطاه البائع مكانه سوداء ورضي به المشتري جاز؛ لأن السود دراهم ولكن مع العيب فكان الجنس واحداً، فإذا رضي المشتري بسقوط حقه عن