للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصلي، فاكتفينا بقبض أحد البدلين كما في العروض إذ به يخرج من أن يكون ديناً بدين، فأما قبض البدلين إنما يعين فيما هو أثمان بقبضه الأصل، وهذا ليس بهذه الصفة.

والثاني: أن قضية القياس أن لا يجب قبض البدلين في المجلس، وإن كان العقد صرفاً ولكن عرفنا اشتراط التقابض في عقد الصرف بالنص، والنص الوارد في بيع الصرف لا يكون وارداً في بيع الفلس؛ لأن ثمنية الفلس عارضة على شرف الزوال بالكساد فرد بيع الفلس إلى ما يقضتيه القياس.

ذكر القدوري في «شرحه» أيضاً: قال محمد رحمه الله: فإذا اشترى فلوساً على أن كل واحد منهما بالخيار وتقابضا وتفرقا عن ذلك فالبيع فاسد؛ لأن الخيار يمنع الملك وصحة القبض، فكأنهما افترقا من غير قبض، ولو كان أحدهما بالخيار فالبيع جائز. ويجب أن يكون هذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله على أصلهما: خيار المشتري لا يمنع ثبوت الملك له فيما اشترى، فلا يمنع صحة القبض فينعدم القبض المستحق من أحد الجانبين.

والقبض إنما يعتبر فيهما لا في أحدهما، أما على قول أبي حنيفة يؤمر من الجانبين، فإنه كما لا يملك على المشروط له الخيار البدل الذي من جانبه عند أبي حنيفة لا يملك هو البدل الذي من جانب صاحبه، فاشتراط الخيار لأحدهما يمنع صحة القبض وتمامه فيهما جميعاً.

قالوا: وينبغي على قول أبي حنيفة وأبي يوسف إذا باع فلساً بعينه بفلسين بأعيانهما بشرط الخيار أن يجوز البيع؛ لأنهما بمنزلة العروض في هذه الحالة عندهما فلم يكن القبض شرطاً.

ولو اشترى بفلوس كاسدة في موضع لا ينفق فإن كانت بأعيانهما جاز، وإن لم تكن معينة لا يجوز؛ لأنها بعد الكساد تعود عرضاً، وشرط صحة العقد في العروض التعيين.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : وإذا استقرض الرجل كراً من طعام وقبضه ثم إن المستقرض اشترى من المقرض الكر الذي له عليه بمائة درهم (صح شراؤه) ؛ لأن المستقرض صار ملكاً للمستقرض بنفس القبض ووجب عليه للمقرض كراً مثله، فيصح شراؤه بخلاف ما إذا اشترى غير من عليه الكر حيث لا يجوز؛ لأن هناك الحاجة إلى التسليم ولا يمكنه للتسليم إلا بالقبض، فكان عاجزاً عن التسليم في الحال (٤٦ب٣) وههنا لا حاجة إلى التسليم؛ لأن المبيع في يد المشتري؛ لأنه في ذمته، وإذا جاز الشراء إن نقد المائة في المجلس فالشراء ماض على الصحة، وإن افترقا من غير قبض بطل الشراء، وهذا بخلاف ما لو وجب للمستقرض على المقرض كر حنطة، ثم إن كل واحد منهما اشترى ما عليه لصاحبه عليه وتفرقا حيث يجوز؛ لأن في المسألة الأولى الافتراق حصل بعد قبض أحد البدلين حكماً، وفي المسالة الثانية حصل بعد قبض البدلين حكماً.

قالوا: وهذا الجواب الذي ذكر في «الكتاب» قول أبي حنيفة ومحمد؛ لأن عندهما المستقرض يصير ملكاً للمستقرض بنفس القبض، فيجب عليه مثله ديناً في الذمة فيصح الشراء، أما على قول أبي يوسف: المستقرض لا يصير ملكاً للمستقرض إلا بالاستهلاك

<<  <  ج: ص:  >  >>