لأن الفلوس عندهما تصير بمنزلة العرض حال مقابلته بجنسه، قالوا: لو باع فلساً بعينه بفلسين بأعيانهما يجوز كما لو باع قمقمة بقمقمين، فإذا صار الفلس المعين على مذهبهما بمنزلة العرض كان بمنزلة ما لو باع عرضاً بعينه بفلسين في الذمة.
ومنهم من قال: لا يجوز؛ لأن الفلس عندهما إنما تتعين بالتعيين حال تعيين أحد البدلين فلا (يجوز) ؛ وهذا لأن الفلوس الرائجة لها حكم العرض من وجه.
ولهذا قال في ظاهر الرواية: يجوز السلم في الفلوس، والسلم إنما يجوز في المثمنات لا في الأثمان، فمن هذا الوجه الفلوس بمنزلة العروض ولها حكم الأثمان من وجه.
ولهذا قالوا: إذا قوبلت بخلاف جنسه لا يتعين كالدراهم والدنانير حتى لو هلكت الفلوس المشار إليها لا يبطل العقد، وإذا كان للفلوس حكم العروض من وجه وحكم الأثمان وفرنا على الشبهين حظهما فلشبهها بالعروض قالا: بالتعين حال تعين البدلين إلحاقاً لها بالعروض ولشبهها بالدراهم قالا: بعدم التعين حال تعيين البدلين إلحاقاً لها بالدراهم، وإذا ألحقاها بالدراهم في هذه الحالة كان بمنزلة ما لو باع درهماً بعينه بدرهمين بغير أعيانها.
ثم إذا باع فلساً بعينه بفلسين بأعيانهما حتى جاز العقد عند أبي حنيفة، هل يشترط التقابض في المجلس؟ ذكر محمد رحمه الله هذه المسألة في صرف «الأصل» ولم يشترط التقابض فهذا دليل على أن التقابض ليس بشرط، وذكر في «الجامع الصغير» : ما يدل على أنه شرط.
فإنه قال: إذا باع فلساً بفلسين يجوز يداً بيد إذا كان بعينه من مشايخنا من لم يصحح ما ذكر في «الجامع الصغير» : لأن التقابض مع العينية إنما يشترط في الصرف وهذا ليس بصرف، ومن مشايخنا من صحح ما ذكر في «الجامع الصغير» لأن الفلوس لها حكم العروض من وجه وحكم الأثمان من وجه، فمن حيث إن لها حكم العروض جوزنا بيع واحد باثنين إذا كان عينين كما لو باع سيفاً بسيفين، ومن حيث إن لها حكم الدرهم شرطه التقابض في المجلس صح العينية عملاً بالدليلين بقدر الإمكان.
وذكر القدوري في «شرحه» : إذا باع الفلس بالفلس وقبض أحدهما ما اشترى ولم يقبض الآخر حتى تفرقا، أو تقابضا ثم استحق ما في يد أحدهما بعد الافتراق، فالعقد صحيح على حاله.
وكذا لو باع الفلوس بالدراهم أو بالدنانير فقد اكتفى بقبض أحد البدلين لصحة هذا العقد ولبقائة على الصحة فهذا دليل أن التقابض ليس بشرط.
وروى هشام عن محمد: فيمن اشترى فلوساً بدراهم وقبض الفلوس ولم يقبض الدراهم حتى افترقا فهو جائز قال: ألا ترى أني أسلم الدراهم في الفلوس فقد اكتفى بقبض الفلس لصحة العقد.k
ووجه ذلك من أحدهما: أن الفلوس في الأصل عرض وليست بأثمان وإنما يثبت لها وصف الثمنية بعارض، فيجب إثبات هذا الوصف على وجه لا ينعدم المعنى