للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصحيح مذهب علمائنا؛ لأن في الزيتون والسمسم شيئين حقيقة الدهن والتفل، فيمكننا تجويز هذا البيع متى كان الخالص أكثر بأن يجعل ما في الزيتون زيت، والسمسم بمثله من الخالص (٥٣أ٣) والباقي بإزاء التفل كما بعد التميز، وكان القياس فيما إذا باع الزيتون بالزيتون، أو السمن بالسمن، أو الحنطة بالحنطة، أو التمر بالتمر متفاصلاً أن يجوز، ويصرف الجنس إلى خلاف الجنس؛ لأن في الزيتون تفل ودهن في الجانب الآخر كذلك، وفي التمر تمر ونوى وفي الحنطة دقيق ونخالة إلا أنا تركنا هذه الحقيقة بالنص، فإن النص لما أثبت الربا في هذه الأموال علمنا أنه أسقط اعتبار الحقيقة، وجعل الكل شيئاً واحداً؛ لأن الربا لا يتصور مع اعتبار هذه الحقيقة، وإذا اعتبر الكل شيئاً واحداً لا يجوز مع التفل بالزيادة من الخالص إلا باعتبار المماثلة؛ لأن التفل دهن حكماً لما اعتبر التفل مع الزيت شيئاً واحداً، ولم توجد المماثلة بين الزيادة، وبين الخالص، وبين التفل، فلا يجوز.

قلنا: والنص الوارد بإسقاط هذه الحقيقة في تلك الصورة لايكون وارداً فيما تنازعنا فيه؛ لأن فيما تنازعنا فيه تحقق الربا مع اعتبار هذه الحقيقة في جنس الأموال بأن يكون الدهن الخالص مثل الدهن الذي في السمسم أو أقل، وإذا كان الربا في المتنازع فيه تحقق في بعض الأموال مع اعتبار هذه الحقيقة لا ضرورة إلى إسقاط اعتبار هذه الحقيقة، فإذا لم يسقط اعتبار هذه الحقيقة حصل بيع الدهن الخالص بجنسه وبالتفل فالتقريب ما مر.

وفي «المنتقى» : ولا خير في القطن المحلوج بالقطن الذي فيه حبّ إلا مثلاً بمثل، وكذلك التمر بالتمر المشقوق، وإذا كان اشترى تمراً بنوى تمر لا يجوز إلا إذا كان في التمر من النوى أقل.

وكذا إذا اشترى قطناً بحب قطن، وكذا إذا اشترى دقيقاً غير منخول بنخالة، وإذا باع السمن بالزبد، فعن أبي حنيفة أنه أفسده على كل حال؛ لأن الزبد إذا حمل إلى النار انتقص.

قيل: لم لا تعامل الفضل بتفل الزبد إذا كان السمن الصافي أكثر؟ قال: لأن له قيمة، وقد مر جنس هذا فيما تقدم، وذكر المعلى عن أبي يوسف أنه كان يكره التمرة بالتمرتين، وكان يقول: كل شيء حرم منه الكثير فالقليل منه حرام، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله في «المجرد» في مئة جوزة بمائتي جوزة يداً بيد بأعيانهما يجوز.

وفي «الأصل» : لو باع تمرة بتمرتين، أو جوزة بجوزتين، أو تفاحة بتفاحتين، فالبيع جائز عندنا من غير ذكر خلاف.

فإن قيل: الجوز والبيض جعلا مثالاً في ضمان المستهلكات، فينبغي أن لا يجوز بيع الواحد باثنين.

قلنا: لا مماثلة بينهما حقيقة للتفاوت صغراً أو كبراً إلا أن الناس اصطلحوا على إهدار التفاوت، فيعمل بذلك في حقهم، وهو ضمان العدوان دون الربا الذي هو حق الشرع عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>