جهالة المبيع أو الثمن مانعة جواز البيع إذا كان يتعذر معها التسليم، وإن كان لا يتعذر لم يفسد العقد كجهالة كيل الصبرة بأن باع صبرة بعينه، ولم يعرف قدر كيلها، وكجهالة عدد الثياب المعينة بأن باع أثواباً معينة، ولم يعرف عددها، وهذا لأن الجهالة ما كانت مانعة لعينها، بل للإفضاء إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسليم ينعدم عند ذلك ما هو فائدة العقد، فإذا لم يكن مانعة من التسليم والتسليم، فقد انعدم المعنى الذي لأجله صارت الجهالة مفسدة للعقد، فينعدم الفساد.
قال محمد في «الجامع الصغير» : رجل اشترى من آخر ثوباً كل ذراع بدرهم، ولم يعلم قدر جملة ذرعان الثوب، فاعلم بأن ههنا أربع مسائل:
إحداها: في العدديات المتفاوتة كالأغنام والبناءات.
وصورة المسألة فيها: إذا أشار الرجل إلى قطيع من الغنم أو إلى جراب هروي قال: بعتك كل شاة منها بعشرة، أو قال: بعتك كل ثوب منها بعشرة، فهذا على ثلاثة أوجه:
الأول: أن يبين جملة عدد الأغنام والثياب، ولم يبين جملة الثمن بأن قال: بعت منك هذا القطيع، وهي مئة شاة كل شاة منها بعشرة، أو قال: بعتك هذا الجراب، وهي مئة ثوب كل ثوب بعشرة، ولم يبين جملة الثمن بأن لم يقل: بألف، وفي هذا الوجه يجوز البيع بإجماع؛ لأن المبيع صار معلوماً بالإشارة والتسمية وجملة الثمن أيضاً معلوم حالة العقد؛ لأنها لما بينا عدد الأغنام مئة وبينّا لكل غنم عشرة فكأنهما قالا: بعتك هذه الأغنام، وهي مئة بألف درهم كل غنم بعشرة، فالبيع معلوم، والثمن معلوم فيجوز.
الوجه الثاني: أن يبين جملة الثمن، ولم يبين عدد الأغنام بأن قال: بعتك هذه الأغنام بألف درهم كل غنم منها بعشرة، أو قال: بعتك هذا الجراب بألف درهم كل ثوب منه بعشرة، وفي هذا الوجه يجوز البيع أيضاً؛ لأن جملة الثمن صارت معلومة بقوله: ألف، وكذلك ثمن كل شاة صار معلوماً بقوله: كل شاة بعشرة، والمبيع صار معلوماً بالإشارة حيث قال: بعتك هذه الأغنام، فالاشارة إلى المبيع، أو إلى مكان المبيع كافية للأعلام، وإن كان لا يعلم ما هو وما مقداره كما لو قال: بعتك جميع ما في هذا البيت، بعتك جميع ما في كفي، فإن هذه الصورة يجوز البيع، ويصير المبيع معلوماً بالإشارة.
الوجه الثالث: إذا لم يبين جملة الثمن، ولا جملة الأغنام أو الثياب، وإنما بين حصة كل ثوبٍ بأن قال: بعتك هذا القطيع كل شاة منها بعشرة، أو قال: بعتك هذا الجراب كل ثوب منها بعشرة، وفي هذا الوجه لا يجوز العقد أصلاً أن يعلم عدد الأغنام في المجلس، فينقلب العقد جائزاً، وكان للمشتري الخيار إن شاء أخذ بما ظهر له من الثمن، وإن شاء ترك، وعلى قول أبي يوسف ومحمد: العقد جائز في الكل، ولا خيار للمشتري إن كان قد رآه.