المسألة الثانية: في المكيلاًت والموزونات: صورتها: إذا أشار إلى صبرة وقال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز منها بعشرة، فهو على ثلاثة أوجه أيضاً: إن بين عدد القفزان وبين ثمن كل قفيز إلا أنه لم يبين جملة الثمن، أو بين جملة الثمن، وبين ثمن كل قفيز إلا أنه لم يبين عدد جملة القفزان بأن قال: بعت منك هذه الصبرة كل قفيز منها بدرهم، فالعقد جائز بالإجماع.
وإن بين ثمن كل قفيز ولم يبين عدد جملة القفزان ولا جملة الثمن بأن قال: بعت منك هذه الصبرة كل قفيز منها بدرهم، فالعقد جائز عند أبي حنيفة في قفيز واحد، ولا يجوز فيما زاد على ذلك إلا أن يعلم عدد القفزان في المجلس، فيجوز البيع في الكل، وكان للمشتري الخيار، وعلى قول أبي يوسف ومحمد: البيع جائز في الكل.
المسألة الثالثة: في العدديات المتقاربة: والجواب فيها كالجواب في المكيلات والموزونات.
لأن العدديات المتقاربة ألحقت بالمكيلات والموزونات، وصورتها: إذا قال الرجل لغيره: بعت منك هذه الجوزات كل جوزة بفلس.
(المسألة) الرابعة: في الذرعيات صورتها: إذا قال لغيره: بعت منك كل ذراع من هذه الدار بدرهم، أو قال: من هذا الثوب بدرهم، والجواب فيها كالجواب في الأغنام؛ لأن الذرعان من الدار الواحدة مما يتفاوت في نفسها من حيث القيمة، وكذلك الذرعان من الثوب الواحد مما يتفاوت في نفسها من حيث القيمة، فإن الذراع من مقدم البيت والثوب يكون أكثر قيمة من الذارع من مؤخر البيت أو الثوب، فصار الجواب فيها كالجواب في الأغنام من هذا الوجه.
فوجه قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: أنه لو لم يجز هذا البيع إنما لم يجز؛ لأن جملة الثمن ليست بمعلومة الحال إلا أن طريق تحصيل العلم قائم بالرجوع إلى عدد الأغنام من غير مشقة، فإنه إذا عد الأغنام يصير جملة الثمن معلومة، والجهالة إذا كانت مشتركة يمكن رفعها من غير مشقة لا يفسد العقد كما لو باع بوزن هذا الحجر ذهباً.
ولأبي حنيفة: إن كلمة كل إذا دخلت على ما لا يعلم نهايته يتناول الواحد من تلك الجملة كما في قوله: أجرتك هذه الدار كل شهر، وكما في قوله لامرأة الغير: كفلت لك عن زوجك نفقة كل شهر، وإذا تناول واحداً من الجملة صار بائعاً شاة واحدة من القطيع وثوباً من الجراب وذرعاً واحداً من الثوب أو الدار وقفيزاً واحداً من الصبرة وجوزاً واحداً من الجوزات الكبيرة، إلا أن بيع شاة واحدة من القطيع، وبيع ثوب واحد من الجراب، وبيع ذراع من الثوب أو من الدار لا يجوز بيع قفيز واحد من الصبرة يجوز فكذا ههنا.
وعبارة بعض مشايخنا لأبي حنيفة في المسألة: أنه لا وجه إلى تجويز البيع في الكل في العدديات المتفاوتة، وما ألحق بها؛ لأن ثمن الكل مجهول في الحال، ولا وجه إلى تجويز في واحدة منها، وإن كان ثمن الواحدة منها مجهولة في نفسها لكونها (٥٤ب٣) متفاوتة.
ألا ترى أنه لو باع واحدة من القطيع أو واحداً من الجراب لا بعينها لم يجز.
فأما في المكيلاًت والعدديات المتقاربة إن تعذر تجويز البيع في الكل؛ لأن ثمن الكل مجهول أمكن تجويز البيع في واحدة؛ لأن ثمنها معلوم بالقسمة والواحدة منها معلوم