وسيأتي مثل هذا فيما إذا باع شيئاً برقمه هذا الذي ذكرنا إذا قال: كل شيء بعشرة، أو قال: كل ذراع، أو قال: كل قفيز، فأما إذا قال: كل شاتين بعشرة، ففي الأغنام، وما أشبهها من العدديات المتفاوتة لا يجوز البيع عندهم في الوجوه الثلاث بأن بين عدد الأغنام، أو لم يبين جملة عدد الأغنام ولا جملة الثمن، وإنما قال: كل شاتين بعشرة، وهذا لأن ثمن كل شاة ههنا غير معلوم بنفسها بل يحتاج إلى ضم شاة أخرى إليها، ثم يقسم العشرة إلى قيمتها ولا يعرف كيفية الضم أنه ضم الجيد إلى الجيد أو الرديء إلى الجيد والوسط، فيبقى ثمن كل واحدة مجهولاً، وهذه جهالة مفضية إلى المنازعة، فإنه إذ وجد بشاة أو ثوب عيباً بعد القبض يرد المعيب خاصة، ويتمكن المنازعة بينهما في ثمنه، وكذا إذا هلك أحدهما قبل القبض أو تقايلا البيع في واحدة، أو استحق واحد، فعرفنا أن هذه الجهالة تفضي إلى المنازعة، فيفسد العقد بينهما.
وفي المكيل والموزون وما ألحق بهما من العدديات المتقاربة إن بين جملة عدد القفزان، ولم يبين جملة الثمن أو بين جملة الثمن، ولم يبين جملة عدد القفزان، فالبيع جائز عندهم جميعاً؛ لأن أكثر ما فيه أن كل قفير مبيع لا يعرف ثمنه إلا بانضمام غيره إليه إلا أن القفيز الذي يضم إليه مما لا يتفاوت في نفسه بخلاف الشاة على ما بينا.
ألا ترى أنه لو باع قفيزين من صبرة بعشرة كان جائزاً، ولو باع شاتين من قطيع بعشرة لا يجوز، وإن لم يبين واحداً منهما، ولكن قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيزين منها بعشرة بحيث أن تكون المسألة على الخلاف على قول أبي حنيفة: يجوز البيع في قفيزين منها بعشرة، ولا يجوز فيما زاد على ذلك إلا أن يعلم عدد القفزان في المجلس، وعلى قول أبي يوسف ومحمد يجوز في الكل كما لو قال: كل قفيز منها بدرهم، وعلى هذا إذا قال: كل ثلاثة بكذا.
ولو أشار إلى نوعين حنطة وشعير، وقال: أبيعك بهاتين الصبرتين كل قفيز منها بدرهم صح العقد على قفيز واحد منهما في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز في الصبرتين.
وفي «المنتقى» : رجل قال لآخر: بعتك هذه السفين الآجر كل ألف بعشرة دراهم، فالبيع فاسد؛ لأن البيع وقع على جميعه ولا يدري إن أصاب ببعضها عيب ما حصته؛ لأن الآجر متفاوت، ولو قال: أبيعك منه ألفاً بعشرة، فإن عد له الألف ثم البيع فيها، ولكل واحد منهما أن يمنع من البيع ما لم يعد له.
وفي «نوادر ابن سماعة» : قال: سألت محمداً عن رجل دنى إلى وقر بطيخ وقال: بكم عشر بطيخات من هذه البطيخات بغير عينها، فقال: بكذا، فاشترى، ثم عزله البائع بعشر بطيخات وحملها المشتري ومضي على ذلك القول، والبطيخ متفاوت قال: هو جائز استحساناً بمنزلة رجل قال للقصاب: بعني من هذا اللحم كذا، فباعه منه وقطع له منه واحدة على ذلك، فالبيع جائز.