فإن كانت مئة ذراع علم أن المبيع عشرها، وإن كان خمسين ذراعاً علم أن المبيع خمسها.
ولو قال: بعتك ذراعاً من هذه الدار إن عين موضعه بأن قال: من هذا الجانب إلا أنه يميزه بعد، فالعقد منعقد غير نافذ حتى لا يجبر البائع على التسليم؛ لأنه باع مالاً معلوماً إلا أنه لايقدر على التسليم إلا بضرر يلحقه في غير ماتناوله العقد، وإن لم يعين موضع الذراع، على قول أبي حنيفة: لايجوز أصلاً.
وعلى قولهما: يجوز ويذرع الدار، فإن كانت عشرة أذرع صار شريكاً بمقدار عشر الدار، هكذا ذكر شيخ الإسلام، وذكر شمس الأئمة الحلواني: أن على قولهما اختلف المشايخ، والأصح: أنه لايجوز، وإذا باع سهماً من الدار، ولم يعين موضعه ذكر شمس الأئمة الحلواني: أنه لايجوز إجماعاً، فعلى هذا يحتاج أبو يوسف ومحمد إلى الفرق بين الذراع والسهم.
والفرق: أن المعقود عليه مجهول في الفصلين جميعاً إلا أن في الذراع رفع الجهالة ممكن بذرع جملة الدار، أما في السهم غير مستدركة، فلا يجوز إجماعاً، وإذا قال: بعتك ذراعاً من هذا الثوب ولم يبين موضعه، أو قال: من هذه الخشبة ولم يعين موضعه، ذكر بعض مشايخنا: أنه على الخلاف الذي في مسألة الدار، وذكر بعض المشايخ: أنه لايجوز بالإجماع، فعلى قول هذا القائل يحتاج أبو يوسف ومحمد إلى الفرق بين الدار وبين الثوب.
وأشار شيخ الإسلام إلى الفرق فقال: في مسألة الدار الذراع أضيف إلى غير محله من حيث العرف والعادة؛ لأن الدار لاباع ذراعاً عرفاً وعادة، فلا يمكن العمل بحقيقة اسم الذراع في الدار، فيجعل كناية عن السهم من حيث الذراع اسم مقدار كالسهم، فصار كما لو باع سهماً من هذه الدار، فأما في مسألة الثوب الذراع أضيف الى محله عرفاً وعادة، فأمكن العمل بحقيقة اسم الذراع، فلا يجعل كناية عن غيره.
قلنا: والذراع اسم للخشبة حقيقة ولما يحله مجازاً وما يحله يميز، فإذا لم يعين موضعاً يبقى المعقود عليه مجهولاً على نحو ما قلنا لأبي حنيفة رحمه الله فلم يجز لهذا.
وفي «المنتقى» : إذا باع ذراعاً من خشبة أو ثوب من جانب معلوم، فالبيع فاسد، فان قطعه وسلمه إلى المشتري له أن يمتنع من قبوله.
وفيه أيضاً: عن أبي يوسف أن البيع جائز، وللمشتري الخيار إذا قطعه البائع إن شاء أخذ، وإن شاء ترك.
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : رجل اشترى داراً على أنها ألف ذراع بألف درهم، فوجدها أكثر فهي له كلها، وإن كان قال: كل ذراع بكذا، فوجدها أكثر، فالمشتري بالخيار إن شاء ردها وإن شاء أخذها، وزاد في الثمن بحساب ذلك، وإن وجدها أنقص، فهو بالخيار إن شاء أخذ، وإن شاء ترك.
أصل هذا أن الذراع فيما يذرع يشبه الأوصاف، فإن الاسم لا يتغير بزيادة الذرع ونقصانه، بل يتغير وصفه، فيصير أطول وأقصر، ولكنه غير منتفع به يزداد القيمة بزيادته، فمن هذا الوجه أصل، فيجب العمل بالشبهين في حالين، وإذا لم يقابل الثمن بالذرعان يراعي فيه شبه الأوصاف، فيستحق تبعاً