بعتك نصيبي من هذه الدار، ولم يبين النصيب، وقول أبي حنيفة: أنه فاسد، وقال أبو يوسف: هو جائز والمشتري بالخيار إذا علم إن شاء أخذ، وإن شاء لم يأخذ، قال الحاكم أبو الفضل: قول محمد هاهنا بخلاف ما ذكر في «الأصل» ، وروى الحسن ابن أبي مالك قال: سمعت أبا يوسف يقول عن أبي حنيفة: إذا باع نصيبه من هذه الدار، ولم يبين النصف، فالبيع فاسد إلا أن يتصادقا أنهما كانا يعرفان كم هو فيجوز، قال ابن أبي مالك: وهو قول أبي يوسف قال: وكان أبو حنيفة أولاً يقول: بيع نصيبه جائز؛ لأنه معلوم في نفسه، وإن كان مجهولاً عندهما.
ألا ترى أنه إذا ولاه ما اشترى ولم يخبره فالبيع جائز، وإن كان مجهولاً عندهما لما كان معلوماً في نفسه، ثم رجع أبو حنيفة رحمه فقال: بيع النصف فاسد، وهو قول أبي يوسف، ثم رجع أبو يوسف عن هذا القول، وقال: هو جائز بمنزلة التولية.
ذكر الحسن ابن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: إذا قال الرجل لغيره: أبيعك من هذا البيض عشرة بكذا أن القياس فيه أن البيع فاسد مثل الرمان وأشباهه، ولكن أستحسن تجويزه.
وروى ابن مالك عن أبي (٥٥ب٣) أبي يوسف أيضاً: أن من قال لغيره: بعتك كر طعام، وعنده كر طعام، فالبيع على الكر الذي عنده، وكذلك إذا قال: بعتك جارية، وعنده جارية، فإن كان عنده جارية فالبيع فاسد، وفي شرح كتاب العتق إذا قال لغيره: بعت منك عبداً لي بكذا، وله عبد واحد، إن قال: عبداً لي في مكان كذا جاز البيع، وإن لم يقل: في مكان كذا قال شمس الأئمة الحلواني: عامة المشايخ على أنه لا يجوز البيع، قال رحمه الله: وهو الصحيح، وإليه أشار محمد رحمه الله في كتاب العتاق.
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : وإذا اشترى الرجل من آخر عشرة أذرع من مئة ذراع من الحمام، أو من الدار، فالبيع فاسد عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: البيع جائز إذا كانت الدار مئة ذراع.
وإذا اشترى عشرة أسهم من مئة سهم من الدار جاز البيع عندهم جميعا، ذكر الخصاف في هذه المسألة أن فساد البيع عند أبي حنيفة بجهالة الذرعان، فأما إذا عرف مساحتها يجوز عنده، وجعل هذه المسألة على قياس ما لو باع كل شاة من القطيع بعشرة إن كان عدد جملة الشياه معلومة يجوز عنده، وإن لم يكن معلوماً لايجوز، وذكر أبو زيد الشروطي أن على قول أبي حنيفة البيع فاسد، وإن علما ذرعان الجملة، وهكذا ذكر شيخ الاسلام في شرح بيوع «الأصل» وهو جواب «الجامع الصغير» ، وهذا أصح مما قاله الخصاف.
فوجه قولهما: أن عشرة أذرع من مئة ذراع عشر الدار وربع عشر الدار جائز بالاتفاق كما لو باع عشرة أسهم من مئة سهم من الدار، فاللفظ مختلف، أما المعنى لايختلف، ولأبي حنيفة رحمه الله أن المبيع مجهول؛ لأن الذراع حقيقة اسم لخشبة تذرع بها الممسوحات ولكن يستعار لما يحله مجازاً، وما يحله عين؛ لأن الخشبة محل العين، أما لا يحل الشائع فلم يصح أن يستعار هذا لاسم الشائع، فكان الداخل تحت العقد موضعاً معيناً، فإذا لم يبين ذلك الموضع أنه من مقدم الدار أو من مؤخره وجوانب الدار متفاوتة في القيمة كان المعقود عليه مجهولاً جهالة تفضي إلى المنازعة بخلاف السهم؛ لأنه اسم بجزء شائع، ألا ترى أن ذراعاً من مئة ذراع، وذراعاً من عشرة أذرع سواء، وسهم من عشرة أسهم لايساوي سهما من مئة سهم فيظهر الفرق.
وذكر في بيوع «الأصل» : إذا قال: بعتك ذراعاً من عشرة أذرع من هذه الدار، وجعله على الخلاف الذي ذكرنا قال شيخ الإسلام: وأجمعوا على أنه لو باع سهماً من عشرة أسهم من هذه الدار أنه يجوز، ولم يذكر ما إذا باع عشرة أذرع من هذه الدار، ولم يقل: من مئة أذرع كيف الجواب فيه؟
على قولهما من مشايخنا من قال: يجوز، ومنهم من قال: لا يجوز؛ لأن المعقود عليه، وإن كان مجهولاً إلا أن هذه جهالة مستدركة يمكن رفعها بأن يذرع الدار بأسرها،