الوكيل ولا لنفاذه، فلم يكن شراء الوكيل مضافاً إلى الموكل لا انعقاداً ولا نفاذاً، فلم يصر الموكل مشترياً بشراء الوكيل أصلاً؛ لأن بعد ما تم شراء الوكيل ونفذ عليه ينتقل الملك إلى الموكل بشراء حكمي ينعقد بينهما، فلأجل ذلك احتيج إلى التوكيل، فيصير الوكيل مشترياً لنفسه، ثم بائعاً من الموكل حكماً.
ولو اشتراه لنفسه حقيقة من غير توكيل، وباع حقيقة من البائع الأول جاز ههنا كذلك، فأما بيع الوكيل لا ينفذ بدون التوكيل إن كان ينعقد بدون التوكيل، فكان التوكيل محتاجاً إليه لنفاذ بيعه، فصار بيعه مضافاً إلى الموكل فيما يرجع إلى النفاذ إن لم يصر مضافاً إليه فيما يرجع إلى الانعقاد، فصار الموكل بائعاً ببيع الوكيل فيما يرجع إلى النفاذ، فإذا اشترى بعد ذلك صار مشترياً من وجه ما باع بأقل مما باع، فرجحنا جانب الفساد احتياطاً.
وكذلك الجواب فيما إذا اشترى من وارث من باع منه بأقل لا يجوز، فقد جعل الشراء من وارث من باع منه بمنزلة الشراء ممن باع منه، ولم يجعل محمد رحمه الله شراء البائع حتى قال: لو مات البائع فاشترى وارثه ما باع بأقل مما باع جاز، وعن أبي يوسف أنه لا يجوز في الفصلين جميعاً؛ لأن وارث كل واحد منهما مقامه.
وجه الفرق لمحمد: أن وارث البائع ما قام مقام البائع في هذا الشراء بحكم الإرث صار شراؤه وأجنبي آخر سواء، فأما وارث من بيع منه وهو المشتري قام مقام المشتري في هذا البيع بحكم الإرث، فإنه كان لا يملك البيع حال حياته مورثه؛ لأنه ملك موروثه، ولما قام الوارث مقام المشتري في بيع هذا الغير بحكم الإرث صار بيع الوارث وبيع الموروث سواء، فكما لا يجوز بيع المشتري، فكذا لا يجوز بيع وارثه.
بعض مشايخنا قالوا: قول أبي حنيفة فيما إذا كان المشتري وارث البائع نظير قول أبي يوسف: إذا كان وارثاً تقبل شهادته له، أما إذا كان وارثاً لا تقبل شهادته له كالوالد ومن بمثابتهما لا يجوز شراؤه عند أبي حنيفة؛ لأن على قوله ولد البائع ووالده، وكل من لا تقبل شهادته له لو اشتراه في حال حياة البائع لنفسه لا يجوز خلافاً لهما؛ لأن منافع الأملاك بينهم متصلة، فصار شراء هؤلاء واقعاً للبائع، فكأن البائع اشترى بنفسه، فكذا بعد وفاته.
وبعضهم قالوا: على قول أبي حنيفة: يجوز شراء وارث البائع على كل حال سواء كان وارث البائع ممن نقبل شهادته له، أو ممن لا تقبل شهادته له كما هو قول محمد، وفرق هذا القائل على قول أبي حنيفة بين حال حياة البائع وبينما بعد موته.
والفرق: أن حال حياة البائع إنما لا يجوز شراء والده وولده وجميع من لا نقبل (٥٩أ٣) شهادته له باعتبار أن منافع الأملاك متصلة بينهم، فيصير شراء هؤلاء بمنزلة شراء البائع بنفسه، وهذا المعنى قد انقطع بالموت، وإنما شرطنا أن تكون السلعة قائمة على حالها لم تنتقص بعيب؛ لأن بعدما انتقص لا يتأتى شبهة الربا؛ لأن نقصان الثمن يجعل بمقابلة ما فات بالعيب، فيصير مشترياً ما باع بمثل الثمن الأول معنى وذلك جائز،