للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو استقرض من آخر ألف درهم ببخارى على أن يوفيه مثلها بسمرقند، أو استقرض من آخر ألف درهم ببخارى إلى شهر على أن يوفيه مثلها بسمرقند لا يجوز، فقد فرق بين الاستقراض وبين البيع فيما إذا شرط مع بيان مكان الإيفاء أجلاً معلوماً.

والفرق: أن الأجل في القرض لا صحة له، معلوماً كان الأجل أو مجهولاً، فصار ذكر الأجل وعدمه بمنزلة، ولو لم يشترط الأجل في القرض، وشرط أن يوفيه بسمرقند لا يجوز؛ لأنه قرض جر منفعة، وفي باب البيع الأجل المعلوم صحيح، وبيان مكان الإيفاء مع الأجل لا يفسد العقد.

والفقه: أنه إذا ذكر أجلاً معلوماً مع بيان مكان الإيفاء لا يكون شرط الإيفاء في ذلك المكان على وجه التأجيل، وإنما يكون تخصيص القبض بذلك المكان، فلا يفسد العقد، وأما إذا لم يذكر مع بيان مكان الإيفاء أجلاً معلوماً كان ذكر بيان الإيفاء على وجه التأجيل، وإنه يفسد العقد؛ لأنه أجل مجهول؛ لأنه لا يدري في أي قدر من المدة يأتي سمرقند، فيكون أجلاً مجهولاً، ثم إذا صح العقد مع الأجل المعلوم، وحل الأجل، فإن كان الثمن شيئاً له حمل ومؤونة لا يطالبه إلا في مكان الإيفاء باتفاق الروايات.

وإن كان الثمن شيئاً له حمل ومؤونة، فعلى ما أشار إليه في بيوع «الأصل» وهو رواية الطحاوي عن أصحابنا لا يطالبه إلا في مكان الإيفاء، وعلى رواية كتاب الأجارات وكتاب الصرف يطالبه في أي مكان شاء، ويلغو شرط الإيفاء في ذلك المكان؛ لأنه إنما يراعي من الشرائط ما لا يفسد، ولا يفيد وتعيين مكان الإيفاء إذا لم يكن له حمل ومؤونة.

فإن قيل: على رواية كتاب الأجارات (٦٣أ٣) وكتاب الصرف إذا لغى هذا الشرط إذا لم يكن للثمن حمل ومؤونة ينبغي أن يصح البيع إذا لم يشترط مع بيان مكان الإيفاء أجلاً معلوماً.

قلنا: يجب بهذا الشرط شيئان تأخير المطالبة إلى أن يأتي سمرقند، وتعيين سمرقند مكان الإيفاء لا يفيد فيما ليس له حمل ومؤونة، فأما في أن يتأخر المطالبة إلى أن يأتي سمرقند مفيد، فإن من عليه ينتفع به، فيعتبر هذا الشرط في حق تأخير المطالبة إن لم يعتبر في حق تعيين مكان الإيفاء.

وفي «القدوري» : إذا لم يذكر في الثمن أجلاً فسد العقد، وفي قول محمد رحمه الله، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف. وروي عن أبي يوسف رواية أخرى أن القياس أن يجوز العقد؛ لأن هذا الكلام عادة يذكر لتخصص القبض بمكان لا للتأجيل، فإذا أمكن الحمل على وجه الصحة لا يحمل على وجه الفساد، ولكنه استحسن فيما له حمل ومؤونة أن يفسد العقد؛ لأن الثمن لا يجب في غير ذلك المكان، فيعتبر في معنى التأجيل، فأما فيما ليس له حمل ومؤونة لا يفسد العقد؛ لأن فيما لا حمل له ولا مؤونة يطالبه حيث شاء، فلا يصير شرط التسليم في مكان معين في معنى التأجيل بل يلغو ذكر الشرط، ويصير كأنه أطلق العقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>