الكيل فهو جائز، كذا رواه ابن سماعة عن محمد، أما إذا اشتراها مجازفة فلا إشكال فيها؛ لأن الكيل في هذه الصورة لم يجعل من تمام القبض؛ لأن المعقود عليه عين مشار إليه لا المعيار بخلاف ما إذا اشتراه مكايلة؛ لأن الكيل هناك جعل من تمام القبض، وأما إذا استفاد من أرضه أو بالهبة ولأنه ملك بغير عوض والشرع إنما اعتبر الكيل لاباحة التصرف بخلاف القياس، فيرد التبرع إلى ما يقتضيه القياس فأما إذا ملكه ثمناً، فلأن الكيل شرع لتمام القبض لإباحة التصرف فيما يحتاج فيه إلى أصل القبض لإباحة التصرف، وفي الثمن أصل القبض ليس بشرط لإباحة التصرف، فلا يكون الكيل الذي جعل من تمام القبض شرطاً لإباحة التصرف، وأما إذا اشترى مكايلة وباعه من غيره مجازفة لا قبل أن يكيله هل (٦٥ب٣) يجوز ظاهر ما أطلق محمد رحمه الله في «الأصل» يدل على أنه لا يجوز.
وذكر ابن رستم في «نوادره» : أنه إذا باعه مجازفة قبل أن يكيله جاز، ولو باعه مكايلة قبل أن يكيله لا يجوز، فصار في المسألة روايتان.
وجه رواية ابن رستم: أن القدر كما هو معقود عليه فالعين المشار إليه أيضاً معقود عليه، فمتى باعه مجازفة فقد باع العين دون القدر، والعين مقبوض فصار بائعاً ما تم قبضه فيه فيجوز، ومتى باعه مكايلة فقد باع القدر مع العين والقدر غير مقبوض قبل الكيل.
وجه ما ذكر في «الأصل» : أن القدر معقود عليه والعين معقود عليه وأحدهما مما يختار عن الآخر؛ لأن القدر صفة للعين لا يوجد بدونه، فإذا باعه مجازفة فقد باع مقبوضاً وغير مقبوض؛ لأن العين الذي اشتراه مقبوض والقدر ليس بمقبوض فقد باع مقبوضاً وغير مقبوض صفقة واحدة فلا يجوز البيع في الكل. وذكر بعض المشايخ في شرح «الجامع الصغير» خلافاً في هذا الفصل بين أبي يوسف ومحمد فقال على قول أبي يوسف لا يبيعه حتى مكايلة لنفسه.
وعلى قول محمد: يبيعه من غير (أن) يكتاله لنفسه. وقد اختلف المشايخ في فصل، وهو ما إذا اشترى طعاماً مكايلة وكاله البائع بحضرة المشتري وسلمه إليه، فمنهم من قال: ليس للمشتري أن يكتفي بذلك الكيل ويكيل مرة أخرى، قال شمس الأئمة السرخسي: الأصح أنه يكتفي بذلك الكيل وكل جواب عرفته في المكيلات فهو الجواب في الموزنات؛ لأن الوزن في الوزنيات متى بيع بشرط الوزن يصير معقوداً عليه، كالكيل في المكيلات، فكل جواب عرفته في المكيلات في الترتيب الذي ذكرنا، فهو الجواب في الوزنيات.
وأما الكلام في الذرعيات: إذا اشترى من آخر ثوباً على أنه عشرة أذرع كان له أن يبيعه، وأن يتصرف فيه قبل الذرع في الذرعيات متى لم يجعل بإزائه لمن سلك به مسلك الأوصاف حتى لا يقسم الثمن على عدد الذرعان حتى لو وجد أحد عشر في مسألتنا فالزيادة تسلم له، ولو وجده أنقص من عشرة لا يسقط شيء من الثمن لكن يجز المشتري، كما لو اشترى ثوباً على أنه صفيق فوجده رقيقاً، وإذا سلك به مسلك الصفة لم يصر الذرع معقوداً عليه، وكان المعقود عليه الثوب المشار إليه، وأنه متغير من غير ذرع.