ولو باع فضولي أمة رجل بألف درهم وزوجها آخر من رجل بمائة دينار فبلغ المولى فأجازهما جاز البيع وبطل النكاح؛ لأن البيع أقوى إذ يستفاد بملك النكاح وهو ملك المتعة وملك النكاح ولا يستفاد به شيئاً يترتب عليه ما يستفاد بالبيع وهو ملك الرقبة.
ولهذا لو طرأ البيع على النكاح الموقوف لا يبطله ولو استويا كان ترجيح البيع أولى؛ لأنه يقبل التنصيف، والنكاح ولا يقبل التنصيف ولو أعتقها رجل بغير أمره أو كاتبها وباعها الأخر فأجازهما المولى معاً جاز العتق؛ لأن البيع يقبل البطلان والعتق والكتابة لا يقبلان الثبوت في أحد النصفين مع قيام البيع في النصف الآخر فوجب ترجيح العتق والكتابة لهذين الوجهين، ولهذا قلنا لو وكل رجل غيره بإعتاق عبده أو بكتابة عبده، ووكل آخر ببيع هذا العبد أيضاً ففعلا معاً فالعتق والكتابة أولى فههنا كذلك.
ولو أن رجلاً وهب عبد رجل لرجل بغير أمره وسلمه المولى الموهوب له وباعه آخر من رجل فبلغ المولى، فأجازهما جميعاً جاز كل واحد منهما في النصف؛ لأن الهبة مع القبض تساوي البيع في حق إفادة الملك، وكل واحد منهما قابل للتنصيف، فإن هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة صحيحة تامة، ويخير المشتري ولا يخير الموهوب له، فإن اختار المشتري الإنصاف فالأمر ماضي، وإن اختار الرد لا يرد ذلك النصف على الموهوب له؛ لأن القاضي لما قضى بينهما نصفان فقد صار الموهوب له مقضياً عليه في ذلك النصف، والإنسان متى صار مقضياً عليه في شيء لا يصير مقضياً عليه في ذلك النصف إلا بسبب جديد.
وقد قال في كتاب الدعوى: في رجلين تنازعا في عين ادعى أحدهما الملك بالشراء والأخر بالهبة والقبض بإذن المالك وأقاما البينة على ذلك أن الشراء أولى، فقد رجح الشراء في مسألة الدعوى دون مسألتنا.
والوجه في ذلك: أن في مسألة الدعوى ثبت العقدان بالبينة وجهل التاريخ، والأصل في العقد إذا تساويا، وجهل التاريخ أن يجعلا كالمقترنين.
ولو اقترنا كان البيع يوجب الملك بنفسه والهبة لا توجب الملك ما لم يوجد القبض فيثبت ملك المشتري أولاً، وظهر أن الموهوب له قبض ملك المشتري إذ القبض وجد بعد العقدين فلم يثبت الملك للموهوب له، فأما ههنا القضاء يقع بالعقدين جميعاً عند الإجازة وحالة الإجازة الهبة مقبوضة للموهوب، والهبة مع القبض تساوي البيع إفادة الملك وقبول التنصيف، فلهذا يقضي بالعقد بينهما نصفين.
ولو كان مكان العبد في مسألة «الكتاب» : داراً والباقي بحاله جاز البيع دون الهبة؛ لأن البيع قابل للتنصيف والهبة ههنا غير قابلة للتنصيف؛ لأن هبة المشاع فيما يحتمل القسمة غير صحيحة، فرجحنا البيع على الهبة.
ومن هذا الجنس
رجل وهب دار رجل لرجل وسلم، ووهبها رجل آخر لرجل آخر وسلم أيضاً فأجاز صاحب الدار العقدين معاً بطلا عند أبي حنيفة، وجاز عندهما؛ لأنه لما أجاز العقدين صار كأنه وهبها من رجلين نصفين إذ قضية الاستواء التنصيف، وهبة الدار من رجلين