للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصل في جنس هذه المسائل: أن الاستحقاق متى وقع على ملك البائع، رجع المشتري على البائع بالثمن ومتى وقع على حدوث الملك للمشتري لا يرجع المشتري على البائع بالثمن، وهذا؛ لأنه متى وقع الاستحقاق على ملك البائع، لم يسلم المبيع للمشتري من جهة البائع بالبيع، فلا يسلم الثمن للبائع إذ البيع عقد معاوضة يقتضي السلامة بإزاء السلامة ومتى وقع الاستحقاق على حدوث ملك المشتري، فالمبيع مسلم للمشتري من جهة البائع، وإنما زال بسبب حدوث من جهته، فلا يمنع سلامة الثمن للبائع وإنما يعرف وقوع الاستحقاق على حدوث الملك للمشتري إذا حدث في العين بما يمنع الاستحقاق من الأصل، وإذا عرفت هذا الأصل فنقول: في هذه المسألة الاستحقاق وقع على حدوث الملك للمشتري لا على الملك من الأصل، إذا كان الثوب للمستحق من الأصل، لصار للذي خاطه، فإن من غصب ثوب إنسان وخاطه قميصاً، ينقطع حق المالك ويصير حق الغاصب أن ضرورة استحقاق القميص أن يكون بملك حدث على ملك المشتري، وبهذا لا يتبين أن المبيع لم يسلم للمشتري من جهة البائع، وكذلك لو اشترى حنطة فطحنها، ثم جاء رجل وأقام البينة أن الدقيق له يقضي القاضي بالدقيق للمستحق، ولا يرجع المشتري بالثمن على البائع؛ لأن الاستحقاق وقع على حدوث الملك للمشتري لما قلنا، فقد سوى بين الخياطة والطحن ههنا وافترقا في حق صحة الزيادة، وإنما كان كذلك باعتبار أن المانع من صحة الزيادة هلاك المبيع، وبالطحن يهلك المبيع وهي الحنطة، أما بالخياطة لا يهلك المبيع؛ لأن المبيع هو الثوب وبعد الخياطة الثوب باق، أما المانع من الرجوع على البائع بالثمن حدوث معنى يمنع (١١٣ب٣) الاستحقاق من الأصل والخياطة مع الطحن يستويان في حق هذا المعنى. وكذلك لو أن رجلاً غصب من رجل ثوباً فقطعه وخاطه قميصاً، ثم جاء رجل وأقام البينة أن القميص له وأخذ القميص من الغاصب لا يبطل الضمان الأول؛ لأن الملك لم يستحق من الأصل بل مقصوراً على صاحب اليد

لما قلنا في المسألة الأولى فبقي ملك المغصوب منه، بسبب الخياطة فيجب عليه قيمة الثوب، وكذلك الجواب في الحنطة بطحنها، ولو أن رجلاً اشترى شاة فذبحها وسلخها فأقام رجل البينة أن اللحم والجلد والأطراف والرأس له وأخذ ذلك كله كان للمشتري أن يرجع على بائعه بالثمن؛ لأن الاستحقاق اسم هذه الأشياء بمنزلة الاستحقاق باسم الشاة وهناك يرجع المشتري على البائع؛ لأن الاستحقاق ورد الملك على الملك المطلق ولم يوجد ههنا ما يمنع القضاء من الأصل؛ لأن حق المالك لا ينقطع عن العين بهذه الأشياء، فوجب القضاء بالملك عن الأصل، فتبين أن الاستحقاق على ملك البائع، ولو كان في الغصب يبطل حق المغصوب منه عن الضمان لما ذكرنا أن بهذه الأشياء لا ينقطع حق المالك عن العين، فورد الاستحقاق على ملك المغصوب منه فوجب بطلان حقه عن الضمان، ولكن يرجع الثاني على الغاصب بالنقصان.

وكذلك لو اشترى ثوباً فقطعه ولم يخطه، ثم استحق رجل الثوب المقطوع بالبينة، فإن المشتري يرجع بالثمن على البائع؛ لأن الاستحقاق ورد على الملك المطلق ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>