لأن الشرع لما جعل القول قول المنكر فقد جعله حجة فيثبت به عدم الأمر من غير يمين؛ إذ اليمين شرع لنفي التهمة لا لكونه حجة مثبتة فهو معنى قولنا: إن حق النقض قد ثبت للحال بدليل، فلا يجوز تأخيره بطلبه اليمين على ذلك، ولو أن صاحب العبد لم يحضر ولم يجحد الوكالة حتى مات فورثه البائع
فقال (١٢٢أ٣) إن صاحب العبد لم يأمرني بالبيع لا يلتفت إليه؛ لأنه ساع في نقض ما تم به.
فإن قيل: ينبغي أن يلتفت إليه من حيث أنه صار بمنزلة الميت وقام مقامه ومن هذا الوجه لا يتحقق التناقض، ألا ترى أن صاحب العبد لو كان حياً فحضر وجحد الوكالة قبل ذلك منه؟
قلنا: إنما يلتفت إلى قوله إذا صار بمنزلة الميت قائماً مقامه في هذا العين، وشرط قيامه مقام الميت في هذا العين بقاء هذا العين على ملكه وذلك لا يثبت بمجرد قوله، فلهذا لا يلتفت إلى قوله، وكذلك لو طلب يمين المشتري على ذلك لا يلتفت إلى ذلك؛ لأن الدعوى لم تصح لما مر، وكذلك لو لم يمت رب العبد وادعى البائع أنه جحد الأمر، ووهب هذا العبد مني وسلمه إلي وصار العبد لي لا يلتفت إلى قوله؛ لأنه يدعي بطلان بيع أقر بصحته متناقضاً ساعياً في نقض ما تم به.
بيانه: أنه يدعي أن ذلك العقد كان موقوفاً، وإن العبد صار ملكاً لي بالهبة فطرأ الملك البات على الملك الموقوف فأوجب بطلان العقد الموقوف فصار مدعياً انتقاض ما تم به فلم يصح، ولو مات صاحب العبد فورثه البائع وأقام بينة على أنه يثبت بينته على إقرار المشتري بطلان حقه ولا يريد إبطال ما أوجبه بل يقول: أوجبت البيع وألزمت التسليم إلا أن المشتري نقض وأبطل ما أوجبت البيع له فانعدم التناقض من جهة البائع، والمشتري في دعوى النقض في هذه الفصول بمنزلة البائع؛ لأنه أحد المتعاقدين، وإن حضر صاحب العبد من المشتري كان له ذلك؛ لأن العبد كان مملوكاً له لو خرج عن ملكه إنما يخرج إذا حصل البيع من البائع بأمره، وقوله في إنكار الأمر مقبول إذا لم يبين منه ما يجعله متناقضاً في إنكار الأمر فلم يثبت الأمر فبقي العبد على ملكه كما كان فكان له أن يأخذ العبد وعليه اليمين إن طلب المشتري ذلك لاحتمال النكول، وإن كان المشتري غائباً فلا سبيل له على العبد؛ لأن العبد في يد المشتري حقيقة وقد صار مملوكاً له ظاهراً؛ لأنا حكمنا بصحة البيع ظاهراً؛ لأنه إنما اشتراه بناءاً على ظاهر الوكالة فلا بد من نقض العقد وإبطال يد المشتري ليتمكن المولى من أخذه، وفي ذلك قضاء على الغائب وأنه لا يجوز، ولكن للمولى أن يضمّن البائع قيمة العبد؛ لأنه باعه بغير أمره وسلمه بغير أمره فوجب عليه قيمة العبد عند تعذر رد العبد كما في الغاصب إذا أبق المغصوب من يده، وللبائع أن يطلب يمين المولى، بالله ما أمره بالبيع لاحتمال النكول، فإن حلف أخذ قيمته وإن نكل بطل الضمان؛ لأنه صار مقراً.v
وكذلك لو أقام البائع بينة على صاحب العهد في هذه الصورة أنه أمره بالبيع قبلت بينته لأنه بهذه البينة يسقط الضمان عن نفسه فكان خصماً فيه، وإن لم يجد بينة على ذلك وحلف الآمر فحلف حتى