وإن تصادق البائع والمشتري أن البيع كان بغير الأمر فذاك بينهما فسخ للعقد، والوكيل مع الموكل يفسخان العقد ويصح فسخهما.
بيانه: أن دخولها في هذا العقد اعتراف منهما نفاذه وإقراره بأمر صاحب العقد واتفاقهما على عدم الأمر بعد ذلك يجعل اتفاقاً منهما على الفسخ فيجعل ذلك فسخاً منهما على طريق الابتداء على طريق نفي العقد في الأصل، وإنما يصح الفسخ بينهما لا على الموكل؛ لأن تصادقهما لا يعمل في حق الموكل ويجعل في حق الموكل هذا بيعاً مبتدأً، فإن حضر صاحب العبد وصدقهما ادعى لزمه الفسخ وهذا العبد إلى قديم ملكه؛ لأن فسخهما إنما لم يقبل في حق الموكل دفعاً للضرر حتى صدقهما فيما زعما، وإن كذبهما فيما زعما وقال: كنت أمرته فالبيع ماض في حقه صحيح في حقهما، ويجعل في حق الموكل كأن الوكيل اشتراه من المشتري.
وهو نظير المشتري مع الوكيل إذا قالا: البيع بفسخ الإقالة فسخاً بينهما بيعاً مبتدأً في حق الموكل كذا ههنا، ثم يبطل الثمن على المشتري عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن الفسخ قد صح فيما تلقهما والفسخ يبطل الثمن عن المشتري؛ لأن الوكيل بالبيع يملك إسقاط الثمن عن المشتري عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله بالفسخ كما يملك الإبراء ويضمن للموكل مثله كما في الإبراء، وعلى قول أبي يوسف لا يبطل الثمن عن المشتري؛ لأن عنده الوكيل بالبيع لا يملك إسقاط الثمن عن المشتري.
وفيه أيضاً: رجل في يده مملوك لرجل قال رجل لصاحب العبد: آمرك أن تبيعه مني بكذا فصدقه صاحب اليد أو سكت وباع منه العبد وتقابضا، ثم حضر البائع عند القاضي وقال: إن صاحب العبد قد حضر وأنكر الأمر بالبيع، وأقام البينة على ذلك وأراد نقض البيع، أو أراد استحلاف المشتري على ذلك بأن لم يكن له بينة لا يلتفت إلى قوله؛ لأن هذه الدعوى منه لم تصح لمكان التناقض والسعي في بعض ما تم به، أما إذا صدق المشتري فيما قال فظاهر، وأما إذا سكت؛ فلأنه إنما باعه بناءاً على ما ادعى به الأمر فصار بمنزلة المقر بالأمر، ولم يذكر في «الكتاب» أن صاحب اليد لو كذب في دعوى الأمر وباعه بعد ذلك، والصحيح: أن الجواب فيه نظير الجواب فيما إذا تصدق أو سكت؛ لأنه إنما باعه بناءاً على دعوى الأمر فيعلق به حق الغائب فلا يملك إبطاله، وإن حضر صاحب المملوك عند القاضي وجحد الأمر بالبيع، ثم غاب وطلب البائع نقض البيع أجابه القاضي إلى ذلك؛ لأنه لما جحد الأمر عند القاضي، فقد ظهر عنده أن البائع كان فضولياً وإن العقد كان موقوفاً والفضولي يملك نقض العقد الموقوف، ويكون فسخ القاضي إعانة له لا أن يكون فسخاً على الحقيقة بخلاف الفصل الأول؛ لأن هناك القاضي لم يعاين جحود المالك، وإنما البائع يريد إثباته بالبينة بيمين المشتري، ولا بد لذلك من الدعوى الصحيحة، ودعوى البائع لم تصح، فإن طلب المشتري يمين المالك بالله ما أمره بالبيع فالقاضي لا يؤخر النقض لذلك ويقول له: انقض البيع ورد العبد على البائع وانطلق واطلب يمين المالك؛ لأن حق النقض قد ثبت للحال بدليل وهو جحود المالك الأمر؛