ربا النساء، فنقول ربا النقد يحرم بوصفين وهو القدر والجنس، ومعنى القدر الكيل في المكيلات والوزن في الموزونات، وربا النساء يحرم بأحد وصفي علة ربا النقد، وهو الجنس بثمنين بأن أسلم هروياً في ثوب هروي أو الوزن أو الكيل في مثمنيين أو ثمنين حتى إنه إذا أسلم قفيز حنطة أو قفيز شعير لا يجوز لوجود الكيل في مثمنيين.
وكذا إذا أسلم دراهم في الذهب لا يجوز لوجود الوزن في ثمنين، وإذا أسلم في الحديد في الزعفران لا يجوز لوجود الوزن في مثمنين، فإذا أسلم الدراهم في الزعفران يجوز؛ لأنه لم يوجد الوزن في مثمنين أو ثمنين إنما وجد في ثمن ومثمن.
ولا بأس بأن يسلم الفلوس في الحديد والرصاص وما أشبهه؛ لأنه لم يجمعهما أحد وصفي علة الربا النقد وهو الوزن أو الجنس.
وإذا أسلم الفلوس في الصفر لا يجوز؛ لأن جمعهما الجنسية والمراد من الفلوس الفلوس الرائجة، أما لو كانت كاسدة لا يجوز إسلامها في الحديد والرصاص؛ لأنها بالكساد صارت وزنية، فيكون هذا إسلام الموزون وهما مثمنان. ولو أسلم النصل في الحديد لا يجوز (١٢٤ب٣) لمكان الجنسية، وكذا السيف في الحديد، وإن أسلم السيف في الصفر يجوز إذا كان السيف يباع وزناً لا يجوز؛ لأن في الوجه الثاني جمعهما الوزن وفي الوجه الأول لا.
وإذا أسلم الدراهم في المكيلات وزناً وأسلم الدراهم في الوزنيات كيلاً، ومعناه: وإذا أسلم فيما ثبت كيله بالنص وزناً أو أسلم فيما يثبت وزنه كيلاً وروى الحسن في «المجرد» عن أصحابنا رحمهم الله أنه يجوز، وذكر الطحاوي عن أصحابنا أنه لا يجوز، فصار فيه روايتان.
وفي «المنتقى» ذكر قول أبي حنيفة ومحمد فيما إذا أسلم في المكيل وزناً في طرف عدم الجواز، وقول أبي يوسف في طرف الجواز. واتفقت الروايات عن أصحابنا أن ما يثبت كيله بالنص لا يجوز بيعه بجنسه وزناً، وإن تماثلا وزناً كالحنطة بالحنطة وأشباهها؛ لأن الشرع ورد فيها بالجواز بشرط التماثل في الكيل، قال: وفي «فتاوى أهل سمرقند» لو علم أنهما تماثلاً كيلاً يجوز، وكذا بيع الدقيق بالدقيق وزناً لا يجوز إن تماثلا في الوزن؛ لأن الدقيق كيلي حتى لو علم أنهما تماثلاً كيلاً يجوز، وفيه أيضاً: وما ثبت وزنه بالنص لا يجوز بيعه بجنسه كيلاً كالدراهم بالدراهم كيلاً إلا رواية شاذة عن أبي يوسف رحمه الله قال: يجوز إذا اعتاد الناس ذلك.
والحاصل: أن ما ثبت كيله بالنص فهو مكيل أبداً، وما ثبت وزنه بالنص فهو موزون أبداً، وما لا نص فيه ولكن عرف كونه مكيلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّمبعرف أصل زمانه فهو مكيل أبداً، وإن تعارف الناس بيعه وزناً في زماننا، وما عرف كونه موزوناً في تلك الوقت فهو موزون أبداً، وما لم يعرف حاله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّميعتبر فيه عرف الناس في زماننا، إن تعارفوا كيله فهو مكيل، وإن تعارفوا وزنه فهو موزون، وإن تعارفوا كيله ووزنه فهو مكيل وموزون، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.
وقال أبو يوسف: المعتبر في جميع الأشياء عرف الناس في زماننا، عرف ذلك بالنص مكيلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّمأو موزوناً أو لم يعرف، وما ثبت كيله أو وزنه بالنص لا يجوز بيعه بجنسه مجازفة.
وإن تبايعا صبرتين مجازفة، ثم كيلا بعد ذلك فكانتا متساويين لم يجز العقد عندنا؛ إذ المعتبر في جواز العقد العلم بالمساواة وقت العقد، هكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرحه» في آخر الباب الأول من كتاب البيوع.
وإذا أسلم في اللبن في جبنه كيلاً أو وزناً معلوماً إلى أجل معلوم جاز؛ لأن كون اللبن مكيلاً أو موزوناً غير ثابت بالنص، ولم يعرف حاله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّمأيضاً، فتكون العبرة فيه للعرف، والناس اعتادوا بيعه كيلاً ووزناً، وكذلك الخل والعصير نظير اللبن لما قلنا، ثم ذكر في اللبن جبنه قال شمس الأئمة رحمه الله: هذا في ديارهم؛ لأن اللبن كان ينقطع من أيدي الناس في بعض الأوقات، أما في ديارنا لا ينقطع فيجوز في كل وقت، والخل يوجد في كل وقت فلا يشترط الجبن، والعصير لا يوجد في كل وقت فيشترط السلم في جبنه في هذا الباب أيضاً.
وإذا شرط في السلم طعام قرية أو أرض خاصة لا يبقى طعامها في أيدي الناس فالسلم فاسد، وإن شرط طعام موضع يبقى طعامه كطعام خراسان وما وراء النهر يجوز؛ لأنه إذا كان لا يبقى طعامها في أيدي الناس لا تثبت القدرة على التسليم قطعاً أو شبهاً به وقت حلول الأجل، ولا بد منها لجواز التسليم، وإذا كان طعامها يبقي تثبت القدرة على التسليم قطعاً أو شبهاً بالقطع ذكر المسألة في «الأصل» .
وذكر في «الأصل» أيضاً: إذا أسلم في حنطة هراة خاصة وهي تنقطع من أيدي الناس لا يجوز، بخلاف ما لو أسلم في ثوب هروي حيث يجوز، قال عامة المشايخ: لم يرد بهذا هراة خراسان؛ لأن تلك بلدة عظيمة لا يتوهم انقطاع حنطتها عن أيدي الناس، وإنما أراد به قرية في الهراة تسمى هراة، فطعام تلك القرية مما يتوهم انقطاعه عن أيدي الناس.
والحاصل: أن ما ثبت كيله بالنص فهو مكيل أبداً، وما ثبت وزنه بالنص فهو موزون أبداً، وما لا نص فيه ولكن عرف كونه مكيلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّمبعرف أصل زمانه فهو مكيل أبداً، وإن تعارف الناس بيعه وزناً في زماننا، وما عرف كونه موزوناً في تلك الوقت فهو موزون أبداً، وما لم يعرف حاله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّميعتبر فيه عرف الناس في زماننا، إن تعارفوا كيله فهو مكيل، وإن تعارفوا وزنه فهو موزون، وإن تعارفوا كيله ووزنه فهو مكيل وموزون، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.