قول أبي حنيفة، وأجمعوا على أن رأس المال إذا كان شيئاً ذرعياً أو حيواناً أو شيئاً من العدديات المتقاربة أنه يصير معلوماً بالتعيين والإشارة، وأجمعوا أن في بيع العين الثمن يصير معلوماً بالإشارة إليه والتعيين، ولا يحتاج إلى إعلام قدره، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: بأن الدراهم قلما تخلو عن الزيف، وقد يرد الاستحقاق على بعضها، فإذا رد الزيف ولم يستبدل في المجلس، إن استحق بالبعض فسخ العقد بقدره، فإذا لم يعلم مقداره لا يدري في أي قدر نفي العقد، وفي أي قدر انفسخ، أكثر ما في الباب أن هذه أمور موهومة إلا أن الأصل في السلم عدم الجواز، وإنما جوز إذا وقع الأمن عن الغرر من كل وجه، وإنما يقع الأمن عن الغرر من كل وجه بإعلام رأس المال، وبه فارق ما إذا كان رأس المال ثوباً بعينه حيث لا يشترط بيان ذرعانه؛ لأن الذرعان في الثياب تجري مجرى الوصف بعد الإشارة ليس بشرط.
وينبنى على هذه المسألة إذا أسلم عشرة دراهم في سنتين ولم يبين حصة كل واحد منهما أن كانا مختلفي الجنس بأن أسلم (في) هروي ومروي أو أسلم في حنطة وشعير أو كانا متفقي الجنس مختلفي الصفة بأن أسلم في هرويين أحدهما جيد والآخر رديء لا يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله ما لم يبين حصة كل واحد منهما، وإن كانا متفقي الجنس والصفة بأن أسلم في هرويين جيدين، القياس على قول أبي حنيفة: أن يشترط بيان حصة كل واحد منهما، وفي الاستحسان: لا يشترط بيان حصة كل واحد بالإجماع قياساً واستحساناً.
الثاني عشر: أن يكون رأس المال منتقدة عند أبي حنيفة رحمه الله أن غيره كرها خلافا لهما، بأن ترك الانتقاد يؤدي إلى فساد السلم على ما عليه غالب دراهم الناس، فإما لا يخلو عن الزيوف حتى لم ينقده ربما يجده أكثره زيوفاً فيرده، وينفسد السلم في قدر المردود استبدل مثله خياراً في مجالس الرد، أو لم يستبدل والاحتراز عن هذا الفساد يمكن (عند) الالتقاء ويكون شرطاً عند أبي حنيفة رحمه الله.
الشرط الثالث عشر: أن يكون عقد السلم باتاً لا خيار فيه، فإذا عقد عقد السلم بشرط الخيار لهما أو لأحدهما، فالسلم فاسد إلا إذا أبطل صاحب الخيار خياره قبل التفرق بالأبدان ورأس المال قائم في يد المسلم إليه، فحينئذ ينقلب العقد جائزاً. ولو كان رأس المال هالكاً في يد المسلم إليه وقت إبطال الخيار لا ينقلب العقد إلى الجواز.
الشرط الرابع (عشر) : أن يكون ما جعل مسلماً فيه مضبوطاً بالوصف على الوجه الذي يذكر الوصف بذوات الأمثال حتى قالوا ما كان مضبوطاً بوصفه معلوماً بقدره موجوداً من وقت أجله يجوز السلم فيه ومالا فلا.
نوع آخر في بيان ما يجوز السلم فيه وما لا يجوز
إذا أسلم ثوباً هروياً في ثوب مروي لا يجوز، وإذا أسلم قفيز حنطة في قفيز شعير لا يجوز أيضاً، والأصل في جنس هذه المسائل معروفة، علة الحرمة في ربا النقد، وفي