قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : ويجوز السلم في الفلوس عدداً، ذكر المسألة مطلقاً من غير ذكر خلاف، فمن مشايخنا من قال: إن جواز السلم في الفلوس قولهما؛ لأن ثمنية الفلوس عندهما قابلة للبطلان؛ لأن الفلوس إنما صار ثمناً باصطلاح الناس، وإلا فهي سلعة في الأصل، وما ثبت باصطلاحهم على خلافه، فإذا أقدما على السلم فيها والسلم لا يجوز إلا في المثمن ذلك إبطالاً لاصطلاح الأول، فعادت سلعة، فيجوز السلم فيها، فأما على قول محمد رحمه الله: ينبغي أن لا يجوز لا يعتبر الفلس ثمناً حتى لا يجوز بيع فلس بفلسين، والسلم في الأثمان لا يجوز. قالوا: وقد روى أبو الليث الخوارزمي عن محمد نصاً: أن السلم في الفلوس لا يجوز.
ومن المشايخ من قال: جواز السلم في الفلوس قول الكل، وهذا القائل يفرق لمحمد رحمه الله بين السلم وبين البيع، والفرق: أن من ضرورة جواز السلم كون المسلم فيه مثمناً، فيضمن أقدامها على البيع إبطالاً لذلك الاصطلاح في حقهما، فبقي ثمناً كما كان، فلا يجوز بيع الواحد بالاثنين، ويجوز السلم في الثوم والبصل كيلاً لا عدداً، ذكرهما شيخ الإسلام في «شرحه» وجعلهما من العدديات المتفاوتة، والسلم في الباذنجان يجوز عدداً، ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرحه» ، والسلم في الكاغد يجوز عدداً؛ لأنه عددي ذكره الصدر الشهيد في «واقعاته» ، ولا خير في السلم في الرطبة؛ لأن الرطبة لا تباع وزناً إنما تباع حزماً وبين الحزم متفاوت، وكذلك في الحطب حزماً أو قالا، فإن بين من ذلك على وجه لا تتمكن المنازعة بينهما في التسليم والتسلم يجوز في بعض الشروح لو بين الطول والعرض والغلظ في المسألتين، وكان عرف ذلك، وإذا أسلم في كندم بنكير أو قال: كندم منك، أو قال: كندم سره يجوز؛ لأنه لايراد بهذه الألفاظ الجيد.
في «فتاوي أبي الليث» ، وفي «الأصل» : لا خير في السلم في الزجاج إلا أن تكون مكسرة، فيشترط منها وزنا معلوماً فيجوز، وكذلك الزجاج فإنه موزون معلوم على وجه لا تفاوت فيه، فأما الأوإني المتخذة من الزجاج فهي عددية متفاوتة فلا يجوز السلم لا بذكر العدد ولا بذكر الوزن، قال شمس الأئمة السرخسي: إلا أن يكون شيئاً معروفاً يعلم أنه لا تفاوت في المالية كالمكاحل والطاسات، فإن أبعاد ذلك لا تختلف في المالية إنما تختلف أنواعه، وكل نوع معلوم عند أهل هذه الصنعة، فيجوز السلم فيه حينئذ بذكر العدد.
قال: ولا بأس بالسلم في الآجر واللبن إذا اشترط من ذلك معروفاً وأجلاً معلوماً ومكاناً معلوماً وأراد بقوله شيئاً معلوماً لبناً معلوماً. ولو اشترى آجره لم يجز من غير إشارة رواه الحسن في «المجرد» عن أبي حنيفة إلا أن وضع المسألة في «المجرد» في مائة آجرة من أبون. وذكر شيخ الإسلام وجه الفرق، فقال: الآجر من العدديات المتقاربة باعتبار القدر متى كان اللبن واحداً إلا أن ما يكون من التفاوت بين لبن ولبن من حيث المقدار لايعتبر الناس فيما بينهم متى كان اللبن واحداً.
ولا تجوز المماسكة بينهم لأجل ذلك، فأما باعتبار الصنعة وهي النضج من العدديات المتفاوتة؛ لأن التفاوت من حيث النضج بين آجر متفاوت معتبر يعتبره الناس