للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البقرة والشاة إنما لم يجز، إما لأن اللحم يتفاوت باختلاف العظم، وهذا المعنى لم يكن بحقيقة ههنا؛ لأن العظم في السمك ساقط الاعتبار فيما بين الناس لا تجري المماكسة باعتباره، أو لأن اللحم يتفاوت من حيث السمن والهزال، وهذا المعنى لا يمكن يحقيقة ههنا أيضاً؛ لأن السمن والهزال ليس بظاهر فيه، وهذا كله قول أبي حنيفة.

و (قال) أبو يوسف ومحمد: لا يجوز السلم في كبار السمك، وفرقا بينه وبين اللحم؛ لأن في اللحم يمكن بيان مكان اللحم، فتزول الجهالة في السمك لا يمكن، وهذا كله في كبار السمك، وأما الصغار منه فالسلم فيها جائز وزناً معلوماً أو كيلاً معلوماً، طرياً كان أو مالحاً بعد أن يكون السلم في الطري في حينه، فقد فرقا بين الصغار والكبار، والفرق: أن في الكبار إنما لا يجوز السلم عندهما؛ لأنه لا يمكن بيان مكان اللحم وهذا المعنى لا يتأتى في الصغار.

وقال في «الأصل» : ولا خير في السلم في شيء من الطيور ولا لحومها، أما في الطيور فلا يجوز؛ لأنه سلم في الحيوان، فإن قيل: السلم في الحيوان إنما كان باطلاً لتفاوت الحيوان في نفسه تفاوتاً يعتبره الناس، ومن الطيور ما لا يتفاوت تفاوتاً يعتبره الناس كالعصفور، فكان يجب أن يجوز السلم فيه كما في الجوز والبيض، والجواب عنه من وجهين:

أحدهما: أن بطلان السلم في الحيوان ثابت نصاً على ما روينا والعبرة في المنصوص عليه النص لا للمعنى، والنص لم يفصل بين حيوان وحيوان، وإليه أشار محمد رحمه الله حين سئل: لماذا لا يجوز السلم في الحيوان لأنه لا يضبط في الوصف؟ قال: لا لأني أجوز السلم في الديباج ولا أجوزه في الشاة وضبط الشاة أهون علي من ضبط الديباج السنة....

والثاني: أن العصفور إن كان من العدديات المتقاربة إلا أنه بمعنى المنقطع؛ لأنه مما لا يقتنى ولا يحبس التوالد وقد يمكن أخذه وقد لا يمكن، ولا رجحان لإمكان الأخذ على عدم الإمكان حتى يقام مقام الوجود في أيدي الناس، فيبقى العبرة للانقطاع بخلاف السمك الطري؛ لأن إمكان الأخذ راجح على عدم الإمكان، فيكون العبرة لإمكان الأخذ فيقام إمكان الأخذ مقام الوجود في أيدي الناس.

وأما لحومها: فأما عدداً فلا إشكال أنه عددي متفاوت، وأما وزناً هل يجوز؟ فظاهر ما ذكر محمد يدل على أنه لا يجوز؛ لأنه أطلق إطلاقاً، فمن مشايخنا من قال: بأن المسألة على الاختلاف لا يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما: يجوز كما لو أسلم في اللحم، ومنهم من يقول: لا يجوز وزناً عند الكل إلا أنه حمل المذكور من لحم الطير على طيور لا تقتنى ولا تحبس للتوالد، فيكون البطلان بسب أنه أسلم في المنقطع، فلا يجوز بسبب الانقطاع عندهم جميعاً، وإن ذكر الوزن فأما فيما يقتنى ويحبس للتوالد

<<  <  ج: ص:  >  >>