دراهم بعينها بأن قال: أسلمت إليك هذه الخمسمائة التي لي عليك في كذا وكذا من طعام، فكذلك الجواب عند علمائنا الثلاثة لا يفسد العقد في الكل بناءاً على أن الدراهم والدنانير لا يتعينان في عقود المعاوضات بالتعيين عند علمائنا، فصار وجود الإضافة إلى الدين وهي دراهم والعدم بمنزلة ولو عدمت الإضافة وباقي المسألة بحالها جاز العقد في حصة المعقود كذا ههنا.
ثم فرق علماؤنا بين هذه المسألة وبينما إذا قال: أسلمت إليك هذه الخمسمائة والخمسمائة الدين التي لي على فلان ونقد خمسمائة، فإن السلم يبطل في الكل، وههنا يجوز بحصة ما نقد ولم يوجد في المسألتين جميعاً إلا الإضافة، وإنها باطلة عندها، وإنما كان كذلك؛ وذلك لأن في تلك المسألة رب السلم أضاف السلم إلى دراهم له في ذمة المسلم وشرط التسليم عليه، والإضافة إن لغت في حق استحقاق المشار إليه إلا أنه نفى شارطاً تسليم إحدى الخمسمائتين على غير، فكان بمنزلة ما لو ذكر ألف درهم مطلقاً على أن ينقد خمسمائة بنفسه، وينقد خمسمائة فلا يكون فساد العقد بسبب اشتراط تسليم بعض الثمن على غيره وإنه مقارن للعقد، فأوجب فساد الكل، ألا ترى أنه لو نقد الكل من ماله لم يجر وهنا لغت الإضافة إلى الدراهم، ولم يوجد بعد إلغاء الإضافة اشتراط تسليم بعض الثمن على غير العاقد.
نوع آخر في قبض رأس المال والمسلم فيه ومسائلهما
قال القدوري في «شرحه» : لا يجوز للمسلم إليه أن يبرئ رب السلم من رأس مال السلم؛ لأن الإبراء إسقاط، والساقط متلاش، فينعدم به القبض والقبض وجب حداً من حدود الشرع، فلا يجوز إسقاطه، قال: فإن أبرأه وقبل رب السلم البراءة بطل عقد السلم، وإن رد البراءة لم يبطل؛ لأن العقد قد صح بتراضيهما فلا يقدر أحدهما على فسخه إلا برضا الآخر، والمسلم إليه يريد فسخ العقد بالإبراء لما مر أنه ينعدم القبض المستحق فلا يقدر من غير قبول صاحبه، قال: ولا يجوز أن يأخذ برأس المال شيئاً آخر من غير جنسه؛ لأنه يسقط به القبض المستحق شرعاً، قال: ولو أعطاه من جنسه أجود أو أردأ ورضي المسلم إليه بالأردأ جاز؛ لأنه جنس حقه أصلاً إلا أنه دون حقه وصفاً، فمن حيث إنه جنس حقه أصلاً صح التجوز به، ومن حيث إنه دون حقه وصفاً يشترط رضاه.
قال: ولو أعطاه أجود من حقه أجبر على القبول، وقال زفر: لا يجبر؛ لأنه متبرع فيما يرجع إلى صفة الجودة، ولو تبرع بزيادة صفة الجودة (لا يجبر على القبول) ، ولنا: أنه وفاه حقه بكماله وأحسن في الدين وقد قال عليه السلام: «خيركم أحسنكم قضاء للدين» ، ولأن صفة الجودة قائمة بالعين، فكانت من توابع الإيفاء وليس له أن يمتنع من الاستيفاء.