لو قال المسلم إليه لرب السلم: خذ هذا وزد لي درهماً، يجب أن يعلم أن ههنا مسألتين: أحديهما: أن يكون السلم في المكيلات والموزونات، والثانية: أن يكون في الذرعيات، وكل مسألة على أربعة أوجه.
إما أن يأتي المسلم إليه بالزيادة من حيث القدر أو بالنقصان من حيث الصفة، فإن كان المسلم فيه مكيلاً وقد أتى بالزيادة من حيث القدر بأن أسلم إليه عشرة دراهم في عشرة أقفزة حنطة، فجاء المسلم إليه يأخذ قفيزاً من حنطة، وقال لرب السلم: خذ هذا وزدني درهماً فإنه يجوز، وإنما جاز؛ لأن تجويزه لا يؤدي إلى الزيادة؛ لأنه إن جعلنا المؤدى عين الواجب حكماً لا غيره ضرورة أن الاستبدال بالمسلم فيه قبل القبض لا يجوز صار المودى مقابلاً بالدراهم، فيصير رب السلم على هذا الاعتبار مشترياً أحد عشر قفيزاً بأحد عشر درهماً، وهذا جائز وإن اعتبرنا الحقيقة وجعلنا المؤدى غير الواجب في الذمة؛ لأن الواجب في الذمة دين، وهذا عين صار رب السلم باعتبار الحقيقة مشترياً أحد عشر قفيراً بعشرة أقفزة حنطة له في ذمة المسلم إليه وبزيادة درهم فيكون بالعشرة والدرهم بإزاء القفيز الحادي عشر فكان جائزاً فدل أن تجويزه لا يؤدي إلى الربا.d
فأما إذا أتى ما زيد من حيث الصفة بأن أسلم عشرة دراهم في عشرة أقفزة حنطة وسط، فأتى المسلم إليه بعشرة أقفزة حنطة جيدة، وقال: خذها وزدني درهماً ذكره في بيوع «الأصل» أنه لا يجوز ولم يذكر فيه خلافاً، وذكر في كتاب الصلح وقال: لا يجوز على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، ويجوز على قول أبي يوسف رحمه الله فكان المذكور في بيوع «الأصل» قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.
وجه ما ذهب إليه أبو يوسف رحمه الله ظاهر، وهو أن تجويزه هذه المعاوضة أن تعذر باعتبار الحال لما يتبين في حجتها أمكن تجويزها بطريق الزيادة، بأن يجعل رب السلم كأن زاد في رأس المال درهماً والمسلم إليه زاد في الجودة، والزيادة تلتحق بأصل العقد وتجعل كالموجود لدى العقد وإذا جعلناها كالموجود لدى العقد صار كأنه أسلم أحد عشر درهماً في عشرة أقفزة حنطة جيدة، ولو أسلم أحد عشر درهماً في عشرة أقفزة حنطة جيدة جاز فكذلك ههنا.
وأما أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله فيقولان: إن تجويز هذا التصرف باعتبار الحال متعذر؛ لأنه باعتبار الحال ما يأخذ غير الواجب في ذمة المسلم من حيث الحقيقة، فيصير باعتبار الحقيقة رب السلم مشترياً عشرة أقفزة حنطة جيدة بعشرة أقفزة حنطة وسط في ذمة المسلم إليه وزيادة درهم بإزاء الجودة وهذا لا يجوز؛ لأن الجودة مال الربا لا قيمة لها عند مقابلتها بجنسها، فإنه لو باع قفيز حنطة رديئة، وزيادة درهم بإزاء الجودة لم يجز، فباعتبار الحكم لا يتمكن الربا؛ لأن المستوفى عين الواجب في باب السلم من حيث الحكم، فعلى هذا الاعتبار يكون ما يأخذ مقابلاً بالدراهم لا بجنسه من الحنطة يصير رب السلم مشترياً عشرة أقفزة حنطة جيدة بأحد عشر درهماً، وهذا ليس بربا فيمكن الربا من وجه دون وجه فتمكن شبهة الربا. وقول أبي يوسف رحمه الله (١٢٧أ٣) بأن تجويز هذا