للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوع آخر في بيان ما يكون قصاصاً في السلم وما (لا) يكون

هذا النوع ينبنى على أصلين: أحدهما: أن دين السلم مما يستوفى ولا يوفى به دين آخر إما أن يستوفي؛ لأن الاستيفاء وفاء بموجب العقد، وأما لا يوفى به دين آخر؛ لأن إيفاء دين آخر به استبدال والاستبدال بالمسلم فيه قبل القبض لا يجوز، لقوله عليه السلام: «لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك» والمراد المسلم فيه حال بقاء العقد، ورأس مال السلم بعد انفساخه، ولأن المسلم فيه مبيع وإنه دين، واستبدال المبيع بالعين قبل القبض لا يجوز مع أن العين أقبل للتصرف من الدين، فلأن لا يجوز بالمبيع بالدين أولى.

وأصل آخر: وهو أن باب في المقاصة تصير آخر الدينين قضاء لأولهما ولا يصير أول الدينين قضاء لآخرهما؛ لأن القضاء يتلو الوجوب ولا يسعه، ولهذا في الدين المشترك لو وجب للمديون على أحد الشريكين دين بقدر حصته، فصار قصاصاً كان للشريك الآخر أن يرجع عليه بنصفه؛ لأنه صار مستوفياً حصته، وإذا كان دين المديون سابقاً على دينهما، فصار قصاصاً لم يكن لشريكه أن يرجع عليه بشيء؛ لأنه صار قاضياً بنصيبه ديناً عليه لا مقتضياً، وعلامة الاستيفاء قبض عين مضمون مثل المسلم فيه بعد عقد السلم لا على وجه الاقتضاء بدين آخر. ألا ترى أن في موضع الذي صار مستوفياً إنما صار مستوفياً بهذا الحد، وهو قبض عين ديون مثل المسلم فيه بعد عقد السلم لا على وجه الاقتضاء بدين آخر، وهذا لأن قبض عين الدين لا يتصور قبضه بهذا الطريق، وهو أن يصير المقبوض مضموناً على القابض إذا قبضه لا على وجه الاقتضاء بدين آخر، ثم يلتقيان قصاصاً إذا كان المقبوض مثل الدين، وإن كان في هذا نوع مبادلة لكن الاستيفاء لا يهيأ بدونه يسقط اعتبار هذا النوع من المبادلة شرعاً بقي المحرم الاستبدال الخالص، وإنما شرطنا أن يكون قبض مثل هذا العين عقد السلم؛ لأنه لو كان قبله كان دين السلم آخر الدينين، وآخر الدينين يصير قضاء لأولهما ولا يصير أولهما قضاء لآخرهما، فيكون استبدالاً بالمسلم فيه.

وإذا وجب على رب السلم مثل السلم بسبب متقدم على العقد لم يصر قصاصاً بالسلم. أما على الأصل الأول؛ فلأن ما هو صورة الاستيفاء وهو القبض الحقيقي لم يوجد بعد عقد السلم، وأما على الأصل الثاني؛ فلأنه لو وقعت المقاصة صار دين السلم قضاء لما وجب قبل عقد السلم، وكذلك إذا وجب بعقد بعده لم يصر قصاصاً نحو أن يشتري رب السلم من المسلم إليه شيئاً بحنطة مثل السلم للأصل الأول، وهو انعدام القبض حقيقة بعد عقد السلم ديون الأصل الثاني.

ولو وجب عليه بقبض مضمون نحو أن غصب منه كذا بعد عقد السلم واستقرض منه قصاصاً لوجود حد الاستيفاء وهو قبض

<<  <  ج: ص:  >  >>