السلم الكر الذي هو ثمن حتى حل السلم صار قصاصاً بكر السلم تقاصا أو لم يتقاصا؛ لأن البيع إذا انتقض وإنفسخ من كل وجه بالأسباب التي ذكرنا بطل جهة الثمنية للكر، فبقي الكر في يده مقبوضاً بعد عقد السلم لا على وجه الاقتضاء بدين آخر وهو قبل السلم، فقد وجد علامة الاستيفاء، فصار قصاصاً بالسلم لهذا، وكذلك لو كان عقد البيع قبل السلم ولكن قبض الكر الذي هو به أسلم ممن كان بعد السلم، ثم انفسخ البيع بينهما بالأسباب التي ذكرنا صار الكر الذي هو ثمن قصاصاً (١٢٩ب٣) بالسلم عند حلول الأجل؛ لأن العبرة لحالة القبض؛ لأن الاستيفاء يقع بالقبض، والقبض وجد بعد عقد السلم، فتقدم العقد وتأخره في هذا سواء.
ولو كان مشتري العبد وهو المسلم إليه رد العبد بعد القبض بالتراضي أو تقايلا العقد في العبد والباقي بحاله، فإن الكر الذي هو ثمن لا يصير قصاصاً بالسلم في الفصلين جميعاً تقاصا أو لم يتقاصا، وإنما كان كذلك؛ لأن الرد بالعيب بعد القبض بالتراضي، والإقالة فسخ في حق المتعاقدين عقد جديد في حق الثالث؛ لأن الصورة صورة الفسخ وهو قولهما فسخاً، والمعنى معنى المبادلة، وهو التمليك والتملك بالتراضي ولا يمكن اعتبار المعنى والصورة في حق شخص واحد، فاعتبرنا الصورة في حق المتعاقدين، واعتبرنا المعنى في حق الثالث، وحرمة الاستبدال بالمسلم فيه حق الشرع فصار في حرمة حق الاستبدال الذي هو حق الشرع عقداً جديداً، وإذا اعتبرنا على هذا الوجه بقي العقد الأول وثمنه، فبقي الكر مقبوضاً بجهة الثمنية، فلا يمكن أن يجعل ذلك القبض استيفاء، لما ذكرنا أن الاستيفاء إنما يكون بقبض عين مضمون هو مثل السلم لا بجهة الاقتضاء بدين آخر، وهذا الكر بقي مقبوضاً بجهة الثمنية، فلو صار قصاصاً كان هذا استبدالاً بالمسلم فيه قبل القبض، وإنه لا يجوز، أو نقول بأن الرد بالعيب بعد القبض بالتراضي والإقالة اعتبر كل واحد منهما فسخاً في حق المتعاقدين فيما هو من حقوق ذلك العقد اعتباراً للصورة، وفيما ليس من حقوق ذلك العقد اعتبر بيعاً جديداً اعتباراً للمعنى على ما ذكرنا، وعقد السلم بشيء من حقوق ذلك العقد فيجعل في حق حكم السلم بمنزلة بيع مبتدأ، ولما كان هكذا بقي العقد الأول وثمنه والتقريب ما ذكرنا، ولو كان عقد البيع وقبض الكر قبل عقد السلم والباقي بحاله، فإن الكر الذي هو ثمن العبد لا يصير قصاصاً بكر السلم وإن تقاصا؛ لأنه لو صار قصاصاً صار دين السلم ايفاء وقضاء الثمن العبد؛ لأنه آخر الدينين وقد ذكرنا أن آخر الدينين يصير قصاصاً لأولهما، فيصير آخرهما مقبوضاً بدين السلم ولا يصير دين السلم مقبوضاً فلا يجوز.
نوع آخر هو قريب من هذا النوع
قال محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» : رجل أسلم إلى رجل في قفيز من رطب وجعل أجله في جنسه حتى كان جائزاً، فأعطاه المسلم إليه مكانه قفيزاً من تمر وأسلم في قفيز من تمر، فأعطاه مكانه قفيراً من الرطب، وتجوز به رب السلم فهو جائز في قول أبي