للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحمه الله يقضي بعقدين، يقضي على رب السلم بعشرين درهماً وعلى المسلم إليه بكر حنطة وكر شعير، وإن تفرقا عن المجلس وقد نقد رب السلم عشرة لا غير قضي بعقد واحد ببينة رب السلم، وعند أبي يوسف رحمه الله: يقضي بعقد واحد ببينة رب السلم على كل حال.

فالأصل عند محمد في جنس هذه المسائل أن يقضي بسلمين ما أمكن، فإن لم يمكن لضرورة حينئذ يقضي بسلم واحد، وإنما كان الأصل القضاء بعقدين؛ لأنه اجتمع ما يوجب القضاء بعقدين، فإن كل واحد ادعى عقداً غير العقد الذي ادعاه صاحبه، فإن العقد على الحنطة على الشعير وما يوجب القضاء بعقد واحد، فإنهما مع اختلافهما اتفقا على أنه لم يجر بينهما إلا عقد واحد فكان القضاء بعقدين وفيه عمل بالبينتين، وبدعوى العقدين صورة أولى من القضاء بعقد واحد، وفيه تعطيل إحدى البينتين.

إذا ثبت هذا فقول ما داما في مجلس العقد أمكن القضاء بالعقدين إذ يمكن القضاء بعشرين في كل عقد بعشرة إذ يمكن نقد رأس المال كل عقد في مجلسه، أما إذا تفرقا عن المجلس وقد نقد رب السلم عشرة لا غير لا يمكن القضاء بعقدين إذا لم ينقد رأس مال أحدهما في المجلس فنقضي ببينة رب السلم؛ لأن رب السلم ببينته تثبت الحق لنفسه، والمسلم إليه يثبت الحق لغيره.

والأصل عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: القضاء بسلم واحد إلا إذا تعذر، فيقضي بسلمين حينئذٍ على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى. وإنما كان الأصل هو: القضاء بعقد واحد مما يأباه القياس؛ لأن القياس يأبى جواز سلم؛ لأنه بيع ما ليس عند الناس. إذا ثبت هذا فنقول القضاء على إثبات العشرة لنفسه وعلى إثبات الشعير لغيره، والعشرة ثابتة له بإقرار رب السلم، فلا تقبل بينته من هذا الوجه، ولذلك لا تقبل بينته على إثبات الشعير؛ لأن البينة على الشعير قامت على إثبات ما أقر به للغير والبينة على إثبات ما يقر به الإنسان لغيره غير مقبولة، فإن من أقر لإنسان بشيء وكذبه المقر له، فقال المقر: أنا أقيم البينة على ذلك لا تقبل بينته، فهو معنى قولنا: أمكن رد بينة المسلم، فيمكن القضاء بعقد واحد ببينة رب السلم من هذا الوجه فيقضي به.

وإن اختلفا في قدر المسلم فيه، فهذا وما لو اختلفا في جنس المسلم فيه سواء إذ المعنى لا يوجب الفصل.

وإن اختلفا في صفة المسلم فيه ولا بينة لواحد منهما، القياس: أن يتحالفا، وفي الاستحسان: أن (لا) يتحالفا، وبالقياس نأخذ.

وجه الاستحسان: أنهما اختلفا في صفة المبيع، فلا يتحالفان كما في بيع العين.

وجه القياس: أن الاختلاف في صفة المسلم فيه، وإنه دين بمنزلة الاختلاف في أصل المعقود عليه في بيع العين بأن قال المشتري: اشتريت منك هذا الكر وقال البائع: لا بل بعتك هذا الكر الآخر، وهذا لأن الدين غائب عندنا يعرف بصفته فيختلف أصله باختلاف صفته، فهو معنى قولنا: الاختلاف في صفة المسلم فيه وإنه دين بمنزلة الاختلاف في أصل المعقود عليه في بيع العين. ولو اختلفا في أصل المعقود عليه في بيع

<<  <  ج: ص:  >  >>