القضاء بعقدين بأن يقضي ببينة رب السلم بعشرة دراهم في كر حنطة إلى المكان الذي ادعاه رب السلم وببينة المسلم إليه بعشرة دراهم في كر حنطة إلى المكان الذي يدعيه المسلم إليه، ولكن وجه الفرق له ما ذكرنا أن مؤنة الكراء معقود عليه من وجه دون وجه على ما بينا، والاختلاف في مقدار المعقود عليه من كل وجه، ورأس المال دين يوجب القضاء بعقدين متى قامت لهما بينة على مذهبه، والتحالف إذا لم تقم لهما بينة والاختلاف فيما ليس بمعقود عليه من كل وجه كالأجل لا يوجب القضاء بعقدين متى قامت لهما بينة ولا التحالف إذا لم يقم لهما بينة، فإذا كان لهما بينة عملنا بالشبهين في حق حكمين مختلفين، فعملنا بشبه المعقود عليه في حق التحالف ليمكننا العمل بالشبه الآخر؛ لأنا متى عملنا بشبه المعقود عليه في حق القضاء بعقدين يلزمنا إظهار هذا الشبه في حق التحالف من الطريق الأولى؛ لأن التحالف أسهل ثبوتاً من القضاء بعقدين حتى وجب التحالف في بيع العين في موضع لا يجب القضاء بعقدين، هذا الذي ذكرنا إذا اختلفا في بيان مكان الإيفاء.
الوجه الثالث: أما إذا اختلفا في الأجل، فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه: أما إن اختلفا في أصل الأجل، بأن قال أحدهما كان بأجل، وقال الآخر: بغير أجل أو اختلفا في مقدار الأجل بأن قال رب السلم: كان الأجل شهراً، وقال المسلم إليه: لا بل شهرين، أو اختلفا في المضي بأن قال رب السلم: كان شهراً وقد مضى، وقال المسلم إليه: لم يمض بعد، وإنما أسلمت إلي الساعة.
فإن اختلفا في أول وجه، فهذا على وجهين: إما أن يكون مدعي الأجل الطالب أو المطلوب، فإن كان مدعي الأجل وهو الطالب، والمطلوب ينكر ولم تقم لهما بينة، فالقياس: أن يكون القول قول المطلوب مع يمينه، وفي الاستحسان: يكون القول قول الطالب مع يمنيه. وجه القياس في ذلك: وهو أن المطلوب بإنكار الأجل إن كان يدعي فساد العقد إلا أنه يدفع استحقاق مال عن نفسه بدعوى الفساد، فيكون القول قوله إذا لم يسبق منه إقرار بالجواز.
بيان ما قلنا: إن السلم في جانب المسلم إليه يبيع بأقل الثمنين، فيكون ما يستحق عليه من المسلم فيه أكثر مما يحصل له من رأس المال، فكان دافعاً عن نفسه استحقاق مال بدعوى الفساد فيكون القول قوله.
وإن كان مدعياً لفساد العقد كالمضارب ورب المال إذا اختلفا فقال رب المال: شرطت له نصف الربح إلا عشرة، وقال المضارب: شرطت لي ثلثه أو النصف، كان القول قول رب المال، وإن كان مدعياً للفساد بما ادعى؛ لأنه دافع بدعوى الفساد استحقاقاً عن نفسه، على ما مر بيانه قبل هذا.
وللاستحسان طريقان في ذلك أحدهما: أن يقال إن المطلوب لما أقر بالسلم فقد أقر بالأجل؛ لأن السلم عبارة عن أخذ مال عاجل بآجل فصار مقراً بالأجل راجعاً عنه، فلا يصدق في الرجوع. والثاني: وهو أن المطلوب بإنكار الأجل يدعي فساد العقد من غير أن يدفع عن نفسه استحقاقاً؛ لأن المسلم فيه غير مستحق للحال، متى ثبت جواز العقد لا يكون بدعوى الفساد دافعاً استحقاقاً عن نفسه بما يدعي من الفساد، فإنه لا يصدق في دعوى الفساد دافعاً استحقاقاً عن نفسه بما يدعي من الفساد، فإنه لا يصدق في دعوى الفساد كما في النكاح، وكما في المضارب على ما مر، هذا إذا كان الطالب هو مدعي الأجل.
فأما إذا كان المطلوب هو يدعي الأجل، قال أبو حنيفة رحمه الله: القول قوله استحساناً، وقال أبو يوسف ومحمد: القول قول الطالب قياساً.
وجه قولهما: أن الطالب بإنكار الأجل وإن كان يدعي فساد العقد إلا أنه بدعوى الفساد يدفع عن نفسه استحقاق مال للحال؛ لأن رأس المال يستحق عليه للحال في السلم متى ثبت جواز السلم، ولا يحصل له للحال عرض إنما يحصل له في الثاني؛ لأن المسلم فيه أجل، والآجل لا يعادل العاجل؛ لأن النقد خير من النسيئة، وقد ذكرنا أن أحدالمتعاقدين إذا ادعى الفساد يكون القول قوله، إذا كان دافعاً عن نفسه استحقاقاً، بخلاف ما لو أنكر المطلوب الأجل وادعى الطالب ذلك؛ لأن المطلوب بإنكار الأجل يدعي فساد العقد من