الوجه السادس: رجل قال لآخر أسلمت إلي عشرة دراهم في كر حنطة إلا أني لم أقبضها، فإن ذكر قوله إلا أني لم أقبضها موصولاً بكلامه صدق قياساً واستحساناً، وإن ذكر مفصولاً بأن سكت ساعة، ثم قال: إلا أني لم أقبضها، صدق قياساً، ولم يصدق استحساناً، وهذا؛ لأن قوله: إلا أني لم أقبضها بيان تغيير لا بيان تقرير؛ لأن قوله: أسلمت إلي، على جواب الاستحسان صار عبارة عن قوله أسلمت إلي رأس المال، لا عن قوله باشرت معي عقد السلم؛ لأن قوله أسلمت إن صار للعقد حقيقة بسبب الشرع، والاستعمال نفي للقبض حقيقة بالشرع والاستعمال أيضاً وترجح حقيقة القبض بحكم الوضع، فإنه في الأصل موضوع للتسليم لا للعقد.
وإذا ترجح أحد الاحتمالين على الآخر صار الاسم للراجح حقيقة وللآخر مجازاً، وإذا صار هذا الاسم مجازاً للعقد صار قوله عنيت بالعقد إرادة للمجاز، وإرادة المجاز من الكلام يغير الكلام من حيث الحقيقة، ولكنه بيان من حيث إن العرب تتكلم بالحقيقة وتريد المجاز، فهو معنى قولنا: إن هذا بيان تغيير فيصح موصولاً، ثم إذا لم يصدق على جواب الاستحسان ذكر أن القول قول الطالب مع يمينه، وكان ينبغي أن لا يستحلف الطالب على جواب الاستحسان؛ لأن قوله: أسلمت إلي على جواب الاستحسان صار عبارة عن قوله أسلمت إلي رأس المال.
ولو قال: أسلمت إليَّ رأس المال، ثم قال بعد ذلك: لم أقبض، لا يصح دعواه حتى يستحلف الطالب على دعواه؛ لأنه صار مناقضاً في الدعوى كذا ههنا، والجواب إنما لا يصدق في دعوى العقد على طريق الاستحسان؛ لأنه ادعى المجاز من كلامه لا لأنه مناقض؛ لأن المناقضة إنما تثبت بضد ما أقر له من كل وجه بأن قال: قبضت، ثم قال: لم أقبض، وههنا لم يقر بصريح القبض، وإنما أقر بالسلم، وإنه يحتمل العقد مجازاً، وإن كان حقيقة للتسليم لا للعقد، وإذا كان محتملاً للمجاز لا يصير مناقضاً في قوله لم أقبض فيكون دعواه صحيحاً، ومن ادعى دعوى صحيحاً يستحلف خصمه على دعواه هذا إذا قال: أسلمت إليَّ.k
أما إذا قال: دفعت إلي عشرة، أو قال: نقدتني لكني لم أقبضها، قال أبو يوسف: لا يصدق وصل وإن فصل، كما لو قال: قبضت، ثم قال: لم أقبض وقال محمد: يصدق إن وصل، وإن فصل لا يصدق، والمسألة معروفة في كتاب الإقرار.
نوع آخر
منه في شرط الإيفاء والحمل ومسائلها: إذا شرط رب السلم على المسلم إليه أن يوفيه السلم في مصر كذا، ففي أي مكان دفعه إليه من ذلك المصر فله ذلك، وليس لرب السلم أن يكلفه تسليمه في موضع آخر، فقد جوز المسلم من غير بيان مكان الإيفاء في المصر إنما فعل كذلك؛ لأن بتأمن محالها واختلاف أماكنها جعل كمكان واحد حكماً؛ لأن القيمة لا تختلف بتفاوت محال المصر، وإذا كان كذلك صار مكان الإيفاء معلوماً، فجاز السلم، وله أن يوفيه من أي مكان شاء من ذلك المصر؛ لأن المصر لما جعل