للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كمكان واحد من حيث الحكم صار كأنه شرط عليها الإيفاء في مكان واحد من حيث الحقيقة، ولو كان كذلك ففي أي ناحية من ذلك المكان أوفاه فله ذلك، وليس لرب السلم أن يعين مكاناً آخر كذا ههنا.

وإن اختلفا فقال رب السلم: شرطت لي أن توفني في محلة كذا، وقال رب السلم: أعطيك في محلة أخرى غير دارك أجبر رب السلم على القبول لما ذكر، وإذا شرط رب السلم أن يوفيه إياه في مكان كذا، فقال المسلم إليه لرب السلم: خذه في غير ذلك المكان وخذ مني الكراء فأخذه جائز ولا يسلم له الكراء أما أخذ التسليم فلأنه استوفى في عين الحق وأما عدم سلامة الكراء؛ لأن المأخوذ صار ملكاً لرب السلم بالأخذ فهذا إذا أخذ الكراء من المسلم إليه، فإنما أخذ الكراء لينقل ملك نفسه، والإنسان بنقل ملك نفسه لا يستوجب الكراء على غيره، وإذا لم يسلم له الكراء كان له الخيار، إن شاء أمسك المقبوض ورد الكراء، وإن شاء رد للمقبوض مع الكراء ليوفيه في المكان المشروط؛ لأنه إنما رضي بقبضه في غير المكان المشروط بشرط أن يسلم له الكراء، فإذا لم يسلم له الكراء، فقد تغير عليه بشرطه فتخير، قالوا: وإنما يتخير إذا كان المقبوض قائماً، وأما إذا هلك لا خيار له؛ لأنه إنما يثبت الخيار لينتقض قبضه، وإنما يمكنه نقض قبضه قبل الهلاك لا بعد الهلاك، فإذا شرط رب السلم على المسلم إليه أن يحمل المسلم إلى منزله بعد ما أوفى في المكان الذي شرط فيه الإيفاء، بأن شرط عليه أن يوفيه السلم في درب سمرقند ببخارى، ثم يحمل إلى منزلة بكلاباد فلا خير في السلم على هذا الوجه؛ لأن بالإيفاء في المكان المشروط بدرب سمرقند يصير المسلم فيه ملكاً لرب السلم، فإذا شرط عليه الحمل إلى كلاباد صار مستأجراً له أو مستعيناً به، فيكون إجارة أو إعارة مشروط في عقد السلم، فيوجب فساد السلم كما في بيع العين، وكما لو اشترى حنطة على أن يطحنها المشتري، فهذا إذا شرط الحمل إلى منزله بعد الإيفاء في المكان المشروط، فأما إذا شرط الحمل إلى منزله ابتداء قبل اشتراط الإيفاء في محلة المصر، لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في «الكتاب» ، وكان الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله يقول: يجوز السلم استحساناً،

وكان يقول: اشتراط الحمل إلى منزله واشتراط الإيفاء في منزلة سواء؛ لأن الإيفاء في منزلة لا يتصور بدون الحمل إلى منزله، ولو شرط الإيفاء في منزله ابتداء أليس أنه يجوز استحساناً فكذا إذا شرط الحمل إلى منزله، وكان يقول إنما يفسد السلم باشتراط الحمل إلى منزله إذا كان (١٣٣ب٣) اشتراط الحمل بعد اشتراط الإيفاء في مكان، وإليه مال شمس الأئمة الحلواني، وروي عن أبي عبد الله البلخي أنه كان يقول: اشتراط الحمل إلى منزله يوجب فساد السلم سواء كان ابتداء بعد شرط الإيفاء في مكان، ويروي ذلك عن أصحابنا رحمهم الله، فإنه يثبت هذه الرواية عنهم، والوجه في ذلك: أن الإيفاء مما يقتضيه عقد السلم، فإنه يجب على المسلم إليه إيفاؤه، واشتراط ما يقتضيه العقد من غير شرط لا يوجب الفساد، فأما لا يقتضي الحمل؛ لأن على المسلم إليه الإيفاء دون الحمل بأن يشتريه المسلم إليه في المكان المشروط ويوفيه من غير حمل، فقد

<<  <  ج: ص:  >  >>