يذكر الكراهة إنما قال: لا أحب له ذلك، فهو قريب من الكراهة لكنه دون الكراهة، ومحمد لم ير بذلك بأساً، فإنه قال في كتاب الصرف: المستقرض إذا أهدى للمقرض شيئاً لا بأس به من غير فصل، فإنه دليل على أنه رفض قول السلف.
قال شيخ الإسلام خواهرزاده رحمه الله: ما نقل عن السلف محمول على ما إذا كانت المنفعة وهي شراء المتاع بثمن غال مشروطة في الاستقراض، وذلك مكروه بلا خلاف، وما ذكر محمد رحمه الله محمول على ما إذا لم تكن المنفعة والهدية مشروطة في القرض وذلك لا يكره بلا خلاف، هذا إذا تقدم الإقراض في البيع.
فأما إذا تقدم البيع على الإقراض وصورة ذلك: رجل طلب من رجل أن يعامله بمائة دينار، فباع المطلوب عند المعاملة من الطالب ثوباً قيمته عشرون ديناراً بأربعين ديناراً، ثم أقرضه ستين ديناراً حتى صار للمقرض على المستقرض مائة دينار وحصل للمستقرض ثمانون ديناراً، ذكر الخصاف أن هذا جائز، وهذا مذهب محمد بن مسلمة إمام بلخ، فإنه روي أنه كان له سلع، فكان إذا استقرض إنسان منه شيئاً كان يبيعه أولاً سلعة بثمن غال ثم يقرضه بعض الدنانير إلى تمام حاجته، وكثير من المشايخ كانوا يكرهون ذلك، وكانوا يقولون: هذا قرض جر منفعة. ومن المشايخ من قال: إن كانا في مجلس واحد يكره، وإن كانا في مجلسين مختلفين لا بأس به؛ لأن المجلس الواحد لجمع الكلمات المتفرقة، فكأنهما وافقا معاً فكانت المنفعة مشروطة في القرض. وكان الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني يفتي بقول الخصاف، ويقول: محمد بن سلمة كان يقول هذا ليس بقرض جر منفعة بل هذا بيع جر منفعة وهو القرض.
وأما هدية المستقرض: إن كانت الهدية مشروطة في الاستقراض فهو حرام، ولا ينبغي للمقرض أن يقبل، فإن لم تكن الهدية مشروطة في الاستقراض، وعلم أنه أهدى إليه لا لأجل الدين أو لأجل الدين، ذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أنه لا بأس بقبولها، والتورع عنه أولى، وهكذا حكي عن بعض مشايخنا.
بعد هذا قالوا: إذا كانت المهاداة تجري بينهما قبل القرض بسبب القرابة والصداقة أو كان المستقرض معروفاً بالجودة والسخاوة، فهذا قائم مقام العلم أنه أعطاه لا لأجل الدين فلا يتورع عنه، وإن لم يكن شيء من ذلك، فالحال حال الإشكال، فيتورع عنه حتى يتبين أنه أهدي لا لأجل الدين، ومن قال: بالكراهة في مسألة البيع يقول بالكراهة ههنا أيضاً، ومحمد لم ير به بأساً من غير تفصيل.
وأما دعوة المستقرض قال محمد: ولا بأس بأن يجيب دعوة رجل له عليه دين، قال شيخ الإسلام خواهرزاده:(إلى) هذا جواب الحكم، فأما الأفضل أن يتورع عن الإجابة إذا علم أنه لأجل الدين أو أشكل عليه الحال.
قال شمس الأئمة الحلواني: ما ذكر محمد رحمه الله محمول على ما إذا كان يدعوه قبل الإقراض، أما إذا كان لا يدعوه قبل الإقراض أو كان يدعوه في كل عشرين يوماً وبعد الإقراض جعل يدعوه في كل عشرة أيام أو زاد في الباحات، فإنه لا يحل