عسى لا يشتريه غيره منه أصلاً، أو لا يشتري بذلك القدر من الثمن فيجبر على القبول دفعاً للضرر عن البائع.
وجه قول أبي يوسف أولاً وهو رواية عن أصحابنا أن المستصنع اشترى شيئاً لم يره، الصانع، باع شيئاً لم يره للمشتري، ما لم يره الخيار بالنص لا للبائع.
وجه ما روي عن أبي حنيفة رحمه الله وهو المذكور في «القدوري» : أنه لا يجبر كل واحد منهما إنما لم يجبر الصانع على العمل، وإن كان ينعقد إجارة؛ لأنه لا يمكنه العمل إلا بإتلاف عين، والإجارة تنفسخ بهذا القدر، ألا ترى أن المزارع له أن يمتنع من العمل إذا كان البذر من جهته ورب الأرض كذلك؛ لأنه لا يمكنه المضي في هذه الإجارة إلا بإتلاف عين. وكذلك لو استأجر رجلاً ليقطع يده وقد وقع فيها أكله كان له أن يمتنع، فكذلك هذا.
ولا يجبر (١٣٨ب٣) المستصنع على إعطاء الدراهم وإن شرط تعجيله؛ لأن الإجارة في الأجرة شراء ما لم يره كان له أن يفسخ العقد ولا يعطي البدل، ولأن جواز الاستصناع بخلاف القياس لأجل الحاجة، والضرورة في الجواز لا في اللزوم، بقي اللزوم على أصل القياس، وعن هذا قلنا: إن للصانع أن يبيع المصنوع قبل أن يراه المستصنع؛ لأن العقد ليس بلازم، فإذا رآه ورضي به ليس له أن يبيعه؛ لأن الصانع بالإحضار أسقط خياره ولزم العقد من جانبه، فإذا رضي به المستصنع يثبت اللزوم في حقه أيضاً، فلا يكون للصانع أن يبيع بعده.
وأما قوله: لو أتى المصنوع صنعه قبل العقد لم يجبر على العمل قلنا: المقصود من العمل المعمول، فإذا سلم المعمول سقط عنه العمل هذا إذا لم يضرب لذلك أجلاً. فأما إذا ضرب لذلك أجلاً قال أبو حنيفة: يصير سلماً ولا يبقى استصناعاً حتى يجب تعجيل رأس المال في المجلس، ومتى أتى بالمصنوع على الوصف الذي وصفه لا يكون له خيار الرؤية، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إنه لا يصير سلماً بل يبقى استصناعاً، وهذا في استصناع للناس فيه تعامل.
وأما ما لا تعامل للناس فيه كالاستصناع في الثياب، فإنه ينقلب سلماً يضرب الأجل بالإجماع هكذا قالوا، وذهبا في ذلك إلى أن الاستصناع ينعقد إجارة ابتداء ويصير بيعاً انتهاء، فأما إذا ضرب فيه الأجل، فاعتبار معنى الإجارة فيه يمنع أن يصير سلماً؛ لأن الإجارة لا تصير سلماً بضرب الأجل، كما (لو) قال لخياط: خط هذا الثوب غداً أو إلى شهر لا يصير سلماً، واعتبار معنى البيع يوجب أن يكون سلماً؛ لأن المستصنع في حكم مبيع عين، ولهذا يثبت للمستصنع خيار الرؤية، وضرب الأجل لا يصح في الأعيان وإنما يصح في الديون، فضرب الأجل اقتضى أن يكون المبيع ديناً في الذمة، والمبيع لا يثبت ديناً في الذمة إلا سلماً، فقد اجتمع ما يوجب أن يكون الاستصناع سلماً وما يمنع وقد أمكن تجويزه استصناعاً من غير أن نجعله سلماً، فلا نغفله وقد استوى الموجب لصيرورته سلماً مع المانع بخلاف ما لا تعامل للناس فيه؛ لأنه لا يمكن تجويزه استصناعاً فجوزناه سلماً.