لأن العقد يتعلق بمال غيره وقت المباشرة وإن كان في الثاني يصير مملوكاً للغاصب، والثابت في الأثمان شبهة الخبث؛ لأن العقد لم يتعلق بها استحقاقاً وإنما يتعلق به إشارة وهي ملك، فصار ملك الغير وسيلة إلى الربح من وجه فيتمكن فيه شبهة الخبث فيجب التصدق.
وإن كان الخبث في محل مملوك له لفساد سببه يعمل في العروض حتى لا يطيب له ما ربح في العروض، ولا يعمل في النقود حتى يطيب ما ربح فيها عند فساد السبب، هذا هو طريق بعض المشايخ في تخرج المسألة.k
وطريق بعضهم أن العقد لا يتعلق بالدراهم المملوكة بالعقد الفاسد، إنما يتعلق بمثلها ديناً في الذمة؛ لأن الدراهم لا تتعين في عقود المعاوضات، فالربح على مثل الدراهم المملوكة العقد الفاسد لا على عينها فطاب له.
فأما الجارية فقد تعلق بها العقد فكان الربح حاصلاً على ملك بعقد فاسد، والعقد الفاسد معصية، فكان فيه نوع خبث، والربح الحاصل من أصل الخبث سبيله التصدق.
وطريق بعضهم أن الفساد ساقط الاعتبار حكماً في حق الدراهم والدنانير؛ لأن حق المالك انقطع عن العين حتى لم يجب على القابض رد المقبوض بعينه ولو كان للفساد عبرة في جانب الدراهم والدنانير لكان لا ينقطع حق المالك عن العين كما في جانب المبيع، فصار وجود البيع الفاسد وعدمه بمنزلة في حق الدراهم والدنانير بقي مجرد الإذن بالقبض للتصرف فيه من غير بيع، ولو أذن له بالقبض للتصرف من غير بيع كان قرضاً وكان التصرف فيه مباحاً كذا هاهنا.
فأما الفساد غير ساقط الاعتبار حكماً في حق الجارية؛ لأن حق المالك لا ينقطع عن عينها، فهذا ربح حصل من أصل ملك بسبب فاسد فلا يطيب له. ذكر محمد رحمه الله في إجارات «الجامع الكبير» حكم الدراهم المملوكة بعقد فاسد في طيبة الربح على نحو ما ذكر في «الجامع الصغير» .
وذكر بعض المشايخ في شرح «الجامع الكبير:» أن هذا الجواب إنما يستقيم على الرواية التي تقول بأن الدراهم والدنانير متى ملك ببيع فاسد ينقطع حق المالك عن عين الدراهم والدنانير، أما على الرواية التي تقول بأن المالك حقه لا ينقطع عن عينها وللمالك أن يأخذ عينها يجب أن لا يطيب له الربح؛ لأن الفساد بقي معتبراً في حقها حكماً، فهذا ربح حصل من ملك استفيد بسبب فاسد، فلا يطيب له.
وذكر في إجارات «الجامع» : أن من استقرض من آخر ألفاً على أن يعطي المقرض كل شهر عشرة دراهم وقبض الألف وربح فيها طاب له الربح لأنه ربح استفيد بسبب مباح؛ لأنه استقرض الألف على أن يعطي المستقرض المقرض كل شهر عشرة إجارة للألف وهذه إجارة باطلة؛ لأنها إجارة ما لا يمكن الانتفاع (به) إلا بعد استهلاكه فلم تنعقد الإجارة الفاسدة ولا جائزة، ولهذا لم يجب الأجر، بقي مجرد القرض من غير إجارة وإنه مباح فكان الربح حاصلاً بسبب مباح.