والاستيام على سوم الغير مكروه، قال عليه السلام:«لا يستام الرجل على سوم أخيه» فظن بعض الناس أن بيع المزايدة استيام على سوم الغير وليس كذلك.
والفرق بين المزايدة وبين الاستيام على سوم الغير عرف أن صاحب المال إذا كان ينادي على سلعة فطلبه إنسان بثمن فكف عن النداء وركن إلى ما طلب منه ذلك الرجل فليس للغير أن يزيد في ذلك، وهذا استام على سوم الغير، وإن لم يكف عن النداء، فلا بأس لغيره أن يزيد ويكون هذا بيع المزايدة ولا يكون استياماً على سوم الغير.
وإن كان الدلال هو الذي ينادي على السلعة فطلبه إنسان بثمن، فقال الدلال: حتى أسأل المالك فلا بأس أن يزيد في هذه الحالة، فإن أخبر الدلال المالك فقال: بعه بذلك واقبض الثمن فليس للغير أن يزيد بعد ذلك، وهذا استيام على سوم الغير؛ وهذا لأن النهي عن الاستيام على سوم الغير لدفع الوحشة، والوحشة إنما تحصل إذا ركن صاحب السلعة إلى ما طلب منه وعزم على بيعها بذلك، أما قبل ذلك فلا.
إذا باع العصير ممن يتخذه خمراً فلا بأس به، وهذا قول أبي حنيفة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهم الله: يكره، وأجمعوا على أنه إذا باع العنب أو الكرم ممن يتخذه خمراً إنه لا بأس به، فوجه قولهما وهو الفرق بين العنب والعصير والفساد والفتنة من المشتري يحصل بعين ما يتناوله العقد، فصار كبيع السلاح من أهل الفتنة في أيام الفتنة، وفي فصل العنب الفساد والفتنة من المشتري لا يحصل بعين ما يتناوله العقد، بل يحصل بعين آخر، فإن ما يتناول العقد يتبدل العقد، فكان بمنزلة ما لو باع الحديد من أهل الفتنة، ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الفتنة والفساد لا تقع إلا بعد تغير المعقود عليه في نفسه، فلا يكره كبيع الحديد من أهل الفتنة والفساد.
ولا بأس ببيع السرقين ويكره بيع القذرة يريد به الخالصة، فإن كانت مخلوط بالتراب فلا بأس ببيعها عندنا.
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» عن أبي حنيفة: في رجل اشترى من آخر جارية (شراء) فاسداً بألف درهم وتقابضا ثم تصرف كل واحد منهما فيما صار له يعني المشتري في الجارية، والبائع في الدراهم وربح طاب للبائع ما ربح من الدراهم ولم يطب للمشتري ما ربح في الجارية، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمه الله، يجب أن يعلم أن الحنث نوعان: حنث لعدم الملك ظاهراً، وحنث للملك لفساد سببه.
والمال نوعان: نوع يتعين بالتعيين كالعروض، ونوع لا يتعين بالتعيين كالأثمان وكان الحنث لعدم الملك يعمل في النوعين جميعاً في العروض والأثمان حتى لا يطيب الربح كالمودع يتصرف في الوديعة ويربح (١٣٩ب٣) لا يطيب له الربح سواء كانت الوديعة عرضاً أو ثمناً؛ لأن الخبث لعدم الملك غير أن الثابت في العرض حقيقة الخبث؛