البيع الأول بشرط الكيل فيكون الكيل مشروطاً في الثاني ضرورة، وإن لم يكن مشروطاً نصاً فلا يكتفي بكيل بائعه وهو المشتري الأول لما مر في أصل الباب، فإن اكتاله المشتري الثاني فوجده يزيد قفيزاً رد الزيادة على المشتري الأول، سواء كانت زيادة تجري بين الكيلين أو زيادة لا تجري بين الكيلين، لأنه زائد على المعقود عليه، فإذا ردها المشتري الثاني على الأول ينظر إن كانت الزيادة مما يدخل بين الكيلين كانت الزيادة للمشتري الأول ولا يردها على بائعه، وإن كانت الزيادة مما لا يدخل بين الكيلين ردها المشتري على بائعه؛ وهذا لأن الزيادة إذا كانت تدخل بين الكيلين لا يمكن التحزر عنه وذلك عفو، وقال الله تعالى:{وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها}(الأنعام: ١٥٢) فهذا دليل على أن ما يدخل بين الكيلين من الزيادة والنقصان عفو، أما إذا كانت الزيادة لا تدخل بين الكيلين يمكن التحزر عنها ولا يجعل عفواً هذا من حيث النص.
وأما من حيث المعقول هو أن الزيادة إنما ترد على البائع إذا ظهر خطأ الكيل الأول بيقين، وإذا كانت الزيادة تدخل بين الكيلين ظهر الخطأ في الكيل الأول لا بالاجتهاد فوجب الرد على البائع الأول، وإن وجده المشتري الثاني ناقصاً كان للمشتري الآخر أن يأخذ المشتري الأول بحصته إذا لم يسلم له شرطه فيرجع عليه سواء كان النقصان يدخل بين الكيلين أو لا، وهل يرجع المشتري الأول على بائعه؟ إن كان النقصان مما يدخل بين الكيلين لا إذا لم يظهر الخطأ في الكيل بيقين، وإن كان مما يدخل ثيت ذلك بالبينة أو بتصديق البائع يرجع إذا ظهر الخطأ في الكيل بيقين، لا باجتهاد فوجب الرجوع على البائع الأول بذلك.
ثم إذا كانت الزيادة تدخل بين الكيلين فالزيادة تكون للمشتري الأول، وإن كان هو ولى الثاني جميع ما اشترى إلا أنه ولاه ما اشترى باسم الكر وقد سلم له ذلك، فكان الفضل رزقاً ساقه الله إليه.
وكذلك لو كان البيع الثاني مرابحة بيع ما اشترى بمثل الثمن الأول إلا أنه زاد فيه ربحاً ولما كان كذلك كان في اقتضاء الكيل مثل التولية، ولو كان المشتري الأول باع من الطعام قفيزاً ودفعه إلى المشتري وقبض ثمنه، ثم إنه باع الباقي على أنه كر بمثل ما اشتراه تولية فاكتاله الثاني فوجده كراً تاماً فكذلك جائز ولا خيار له؛ لأنه سلم له جميع ما اشترى ولكن ثمن الكراً يقسم على إحدى وأربعين قفيزاً، فما أصاب القفيز سقط عن المشتري الثاني، وذلك جزء من إحدى وأربعين جزءاً من الثمن ولزمه الباقي؛ لأن التولية بيع ما اشتري بمثل ما قام عليه ولقد وصل إليه بمقابلة القفيز شيء فلو لم يحط عن المشتري بذلك القدر حصل بيع الباقي بزيادة على ما اشترى تولية، فصار ذلك جناية، وإنه يمكن التحرز عنه، فوجب حط قدر الجناية عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله من غير خيار، ومحمد يخير إن شاء أخذ الكيل بجميع الثمن، وإن شاء ترك.
ولو كان العقد الثاني مرابحة والباقي بحاله، فعلى قول أبي حنيفة ومحمد المشتري بالخيار إن شاء رده وإن شاء أمسكه بجميع ثمنه، وعلى قول أبي يوسف يحط قدر الجناية من الربح وهذه المسألة من مسائل «الأصل» .