للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يده فقال للمشتري: إما أن ترد البيع حتى أبيعه من غيرك أو تختاره وتقبضه، ففي القياس: لا يخير المشتري على ما أراد البائع؛ لأن المشتري ما شرط الخيار لنفسه إلا لمقصود وهو أن يكون مخيراً في المدة ولا يلزمه ضرر، فلا يكون لأحد تفويت هذا المقصود عليه بإلزامه الفسخ أو الإجارة، أكثر ما في الباب إن في عدم إلزام الفسخ والإجارة ضرر البائع إلا أن البائع لما شرط الخيار للمشتري مع علمه بحال المبيع، فقد صار راضياً بهذا الضرر والضرر المرضي لا يدفع.

وفي الاستحسان: يقال للمشتري: إما أن ترد البيع، وإما أن تأخذه ولا شيء عليك من الثمن ما لم تجز البيع أو يفسد عندك.

وجه ذلك: أن في إلزام المشتري الفسخ أو الإجارة إن كان ضرر بالمشتري لكن في عدم إلزامه ذلك ضرر بالبائع وضرر البائع أولى من ضرر المشتري؛ لأن ضرر المشتري أدنى، فإنه إذا قبضه يتمكن من أكله ومن بيعه من غيره ويتمكن من رد البيع ورد المبيع على البائع لهذا فهو متمكن من دفع الضرر عن نفسه، أما البائع لا يتمكن من دفع ضرره عن نفسه، والضرر الذي يتمكن الإنسان من دفعه أدنى بالتحمل أولى، وما يقول بأن البائع رضي بهذا الضرر هذا ممنوع؛ لأنه يحتمل أنه إنما باع رجاء أن يختار المشتري الفسخ أو الإجازة قبل الفساد، وإن رضي به لكن هذا ضرر محض، والضرر المحض لا يلزم بمجرد الرضا ولكن لا يجبر المشتري على إعطاء الثمن وإن قبضه؛ لأنه إنما أجبرناه على القبض دفعاً للضرر عن البائع وقد حصل هذا المعنى بالقبض والثمن ملك المشتري مع بقاء خياره، فلا يخير المشتري على إعطائه ولكن إن فسد عنده أو اختاره حينئذٍ يلزم إعطاء الثمن، وإن لم يفسد حتى نقض المشتري البيع ورده على البائع ولا شيء عليه من الثمن.

وذكر هشام في «نوادره» عن محمد: أن من اشترى من آخر عصيراً أو رطباً على أنه بالخيار ثلاثة أيام، وخاف البائع تخمر العصير وتحمض الرطب في مدة الخيار، فطلب قبض المشتري فالمشتري لا يجبر عليه وهو جواب القياس على نحو ما ذكرنا.

وفيه أيضاً: أن من ادعى على آخر أنه اشترى منه سمكة طرية في يده وجحد البائع، فأقام المشتري بينة على الشراء فخاف فساد السمكة في مدة التركة، وفيه ضرر بالبائع قال: يأمر القاضي المشتري حتى يقبض السمكة ويدفع الثمن، ثم يبيع القاضي السمكة ويضع الثمن الأول والثاني على يدي عدل، فإن زكيت البينة دفع الثمن الأول إلى البائع والثاني إلى المشتري، وإن ضاع في يدي العدل ضاع على المشتري؛ لأن بيع القاضي كبيعه ولو لم تتزك البينة ضمن المشتري قيمة السمكة؛ لأن الشراء لم يثبت فبقي قابضاً سمكة بجهة البيع، فيكون مضموناً عليه.

قال في «الزيادات» : رجل قال لغيره: هذا العبد بيني وبين فلان وفلان ثلاثاً وهما غائبان، فأنا أبيعكه بألف ولم يأمراني بذلك فلعلهما يجيزان البيع فاشتراه المشتري على ذلك ونقد الثمن ثم حضر الغائبان ولم يجيزا البيع لزم المشتري نصيب البائع.

واعلم بأن هاهنا ثلاث مسائل:

<<  <  ج: ص:  >  >>