إحداها: هذه، والوجه فيها: أن البيع تم في نصيبه من غير توقف، وتوقف في نصيب الغائبين على إجازتهما، فإذا لم يجيزا بطل ولا خيار للمشتري وإن تفرقت الصفقة عليه؛ لأن تفرق الصفقة، إنما يوجب الخيار إذا وقعت الصفقة جملة في الابتداء، ثم تفرقت بعد ذلك، والصفقة من الابتداء ما وقعت جملة حال وقوعها؛ لأنها نفذت في نصيب البائع وتوقفت في نصيب الغائبين فامتاز نصيب البائع عن نصيب الغائبين حال وقوعها، كأنه اشترى نصيب الحاضر بصفقة ونصيب الغائبين بصفقة وهناك لا خيار للمشتري كذا هنا، فإن أجاز أحد الغائبين البيع في نصيبه، قال محمد رحمه الله: لزم المشتري نصيب المجيز بثلث الثمن أيضاً ولا خيار له، وعلى قياس قول أبي يوسف له الخيار لما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى.
المسألة الثانية: إذا قال الرجل لغيره هذا العبد لفلان وفلان وأنا أبيعكه بألف درهم بغير أمرهما فلعلهما يجيزان البيع فاشتراه المشتري على ذلك فبلغهما الخبر فأجاز أحدهما البيع في نصيبه وأبى الآخر، فعلى قول محمد رحمه الله: لا خيار للمشتري وعلى قول أبي يوسف له الخيار.
وجه قول أبي يوسف أن الصفقة هاهنا وقعت جملة، فإن العقد (١٤٣ب٣) توقف في الكل على الإجازة، فإذا أجاز أحدهما دون الآخر، فقد تفرقت الصفقة عليه فكان له أن لا يرضى به بخلاف المسألة الأولى؛ لأن هناك الصفقة حال وقوعها نفذت في نصيب البائع وتوقفت في نصيب الغائبين فوقعت الصفقة متفرقة من الابتداء، فلا يوجب الخيار حتى إنها لو توقفت في نصيب الغائبين جملة فقلت: بثبوت الخيار في نصيبهما إذا أجاز أحدهما البيع دون الآخر.
وجه قول محمد: أن المشتري لما أقدم على الشراء مع علمه أنهما عسى يتفقان على الإجازة، وعسى يحب أحدهما دون الآخر صار راضياً بهذا التفرق، ألا ترى أن أحد المشتريين ينفرد بالرد بخيار الشرط، وبخيار العيب باتفاق بينهما، وطريقه ما قلنا.
المسألة الثالثة: إذا قال الرجل لغيره هذا العبد لفلان وأنا أبيعكه بغير أمره بألف درهم فلعله يجيز البيع، فاشتراه على ذلك فحضر فلان وأجاز البيع في نصفه كان للمشتري الخيار بلا خلاف؛ لأن الصفقة وقعت جملة، فإذا أجاز صاحب العبد العقد في النصف، فقد تفرقت الصفقة عليه، ولم يصر المشتري راضياً بهذا التفرق؛ لأن الظاهر من حال المالك إذا كان واحداً أن يجيز في الكل تحرزاً عن تبعيض ملكه الذي هو عيب بخلاف ما إذا كان العبد لا يبين عن قول محمد؛ لأن الإجازة من المالكين ليس بظاهر إذ العيب ثابت في كل واحد منهما أما هي بخلافه.
قال: وإذا باع الرجل جارية من رجل ثم غاب المشتري ولا يدري أين هو فرفع البائع الأمر إلى القاضي وطلب منه أن يبيع الجارية ويوفي ثمنه، فإن القاضي لا يجيبه إلى ذلك قبل إقامة البينة على ذلك.
ذكر أن القاضي يبيع الجارية على المشتري، ونقد الثمن للبائع واستوثق من البائع