الكر قبل ذلك بمئتي درهم فيصير مشترياً عند القبض من وجه ما باع قبل نقد الثمن فلا يجوز.
وهذه المسألة حجة لأبي حنيفة على أبي يوسف في رجل أسلم إلى رجل دراهم في ثوبين بعينين فقبضهما أنه لا يبيع واحد منهما مرابحة من غير بيان عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن المقبوض لما جعل في حكم عين ما يتناوله العقد صار بمنزلة ما لو اشترى ثوبين بعينين، وهناك لا يملك بيع أحدهما مرابحة من غير بيان فهاهنا كذلك، فإن قبض رب السلم الكر الذي باعه من المسلم إليه بكر السلم قبل نقد الثمن مع أنه لا يجوز فطحنه، أو هلك عنده كان على رب السلم للمسلم إليه طعاماً مثل طعامه؛ لأنه مقبوض بحكم القضاء الفاسد، وذلك مضمون بالمثل، فهذا كذلك، فإن قضى القاضي عليه بكر مثله فاصطلحا على أن يكون قضاء من المسلم فيه لم يجز ذلك لوجهين:
g
أحدهما: أن استيفاء السلم إنما يقع بقبض عين من جنس السلم بعد السلم قبضاً صحيحاً ولم يوجد، ولأن المثل فيما يضمن بالمثل قائم مقام المضمون يجب بالسبب الذي يجب رد المقبوض (به) ثم القضاء إذا لم يقع بالمضمون، فكيف يقع بما هو قائم مقامه؟ فإن قبض المسلم إليه الكر الذي قضى به القاضي ثم قضاه إياه من طعام السلم جاز؛ لأنه وجد قبض عين من جنس السلم بعد السلم قبضاً صحيحاً، فحصل به قضاء السلم، وإنما قلنا بأن هذا القبض صحيح؛ لأنه بهذا القبض لم يصر مشترياً ما باع قبل نقد الثمن؛ لأن هذا الكر الذي اقتضاه رب السلم ليس هو الكر الذي باعه لا حقيقة ولا حكماً بل بدل عن ذلك الكر؛ لأن الاستبدال بالكر الذي وجب على رب السلم قبل القبض جائز؛ لأنه دين وجب لا بعقد صرف ولا بعقد صرف سلم.
قال محمد رحمه الله: وهذا كالمسلم إليه اشترى من رب السلم كر حنطة بعينها بمتاع فلم يقبضه (١٤٤ب٣) قضاء رب السلم عن المسلم فيه كان باطلاً؛ لأنه بمنزلة بيع المبيع قبل القبض، وإن قبضه المسلم إليه ثم قضاه صح وقد وقع في بعض النسخ.
وهذا بمنزلة ما إذا اشترى رب السلم من المسلم إليه كر حنطة بمتاع فقضاه إياه قبل القبض، وهذا وقع غلطاً؛ لأن المسلم فيه على المسلم إليه لرب السلم أيضاً، وما على الإنسان لا يتصور اقتضاؤه بما عليه حتى يكون الفساد بعلة استبدال المبيع قبل القبض، والصحيح ما وقع في عامة النسخ ولو لم يهلك الكر الذي قبضه رب السلم ولم يطحنه ولكن تعيب عنده، فإن شاء المسلم إليه قبضه ولا شيء له، وإن شاء تركه وضمنه حنطة؛ لأنه مضمون على رب السلم بحكم القضاء الفاسد، وهذا الضمان مثل ضمان الغصب.
والجواب في الحنطة المغصوبة إذا تعيبت أن المغصوب منه بالخيار إن شاء ضمنه مثله، وإن شاء أخذه، ولا شيء له إذ الجودة لا قيمة لها بانفرادها في أموال الربا فهاهنا كذلك، فإن ضمنه مثله فجعلاه قصاصاً من السلم لم يجز إلا أن يقبضه المسلم إليه ثم