كلهم أجمعون} (الحجر: ٣٠) فكذا إذا ذكرت عقيب الكناية عن الجمع كان ذكرها لمنع الخصوص فحمل عليها، وإذا حمل عليها صار كأنه نص فقال: حططت عنك نصف درهم من ثمن القلب، ونصف درهم من ثمن الثوب، وهو قال: صرح بهذا كان ذلك تصريحاً منه بالفساد ههنا.
فإن قيل: هذا يشكل بما إذا نقد عشرة وقال: هذا المنقود من ثمنها جميعها، فإنه يجعل المنقود من ثمن القلب استحساناً، وقد ذكر كلمة التأكيد عقيب الكناية عن الجمع، ولم يمنع ذلك الحمل على الخصوص.
قلنا: ذكر كلمة التأكيد بعد الكناية (١٤٩أ٣) عن الجمع في مسألة النقد لا يصح؛ لأنه لو لم يذكر كلمة التأكيد بأن قال: من ثمنها ولم يقل جميعاً لم يكن الخصوص ثابتاً من جهته، وإنما كان ثابتاً من جهة الشرع جعل الفضة مستحقة بالفضة في العقد، قال عليه السلام:«الفضة بالفضة» ، فكذا في القبض تكون مستحقة بالفضة شرعاً، لأن للقبض شبهاً بالعقد من حيث إن القبض يفيد ملك التصرف، كما أن العقد يفيد ملك الرقبة، وإذا كان التخصيص قبل ذكر كلمة التأكيد في مسألة النقد من جهة الشرع لم يمنع الخصوص بسببها، والعدم بمنزلة.
ولو عدمت فإنه يجعل المنقود عن القلب فكذا إذا جعل ذكرها كعدمها بخلاف مسألة الحط؛ لأن هناك الخصوص ثابت بدون ذكر كلمة التأكيد من جهته بظاهر عقله ودينه؛ لأن الحط ليس ببيع، ولا هو في البيع، وإنما هو أخذ بعض الثمن من العقد بغير عوض يحصل للبائع.
واستحقاق الفضة بالفضة ثابت شرعاً في البيع أو فيما هو في معنى البيع وهو القبض ولم يثبت استحقاق الفضة بجنسها شرعاً في الحط، فكان الخصوص في الحط بدون ذكر كلمة التأكيد ثابتاً من جهة العبد ولا من جهة الشرع، فجاز أن تعمل كلمة التأكيد من جهة العبد في منع الخصوص، وإذا امتنع الخصوص بذكر كلمة التأكيد انصرف الحط إليهما، والتحق بأصل العقد، فكأنه أنشأ البيع وقال: اشتريت منك هذا القلب بتسعة ونصف، ولو صرح بذلك يفسد العقد في القلب ولا يفسد في الثوب كذا هاهنا.
قال: وإذا اشترى الرجل سيفاً محلى بخمسين درهماً وحلية السيف خمسون، ثم إن البائع حط عن ثمن السيف درهماً جاز الحط؛ وصرف الحط إلى ما راء الحط احتيالاً بتصحيح الحط؛ لأنه لم يصرح بالفساد لما حط عن ثمن السيف؛ لأن السيف كما يذكر ويراد به الحلية مع النصل، يذكر ويراد به ما وراء الحلية، وإذا كان ما ذكر محتملاً للخصوص خص منه الحلية وصرف الحط إلى ثمن النصل احتيالاً للجواز بظاهر عقله ودينه وأمكن القول به؛ لأنه تخصيص لإيفاء حكم في المخصوص لإتيان حكم آخر في المخصوص، فظاهر الحال حجة لإيفاء ما كان إن لم يصلح لرفع ما كان ثابتاً.