الموكل ذلك بنفسه؛ وهذا لأن الشراء إنما يقع على ما في التراب من الذهب أو الفضة لا على نفس التراب، فإذا لم يعلم أن في التراب شئ من ذلك، لم يكن محل البيع موجوداً بيقين، فلا يمكن القول بجوازه، وإن علم أن في التراب فضة هي مثل الفضة التي ثمن أو ذهب هو مثل الذهب الذي هو ثمن ورضي به المشتري، فإن علما بذلك في مجلس العقد فهو جائز وللمشتري الخيار ليكشف الحال له.
فهو كمن اشترى شيئاً لم يره ثم رآه، فإن رده بغير حكم جاز على الآمر بمنزلة الرد بخيار الشرط والرؤية، وإن علما به بعد ما تفرقا لا يجوز البيع، وإن باعه بعرض، وقد علم أن في التراب ذهب أو فضة أو ذهب وفضة جاز البيع على قول أبي حنيفة خلافاً لهما؛ لأنه وكله بالبيع مطلقاً والوكيل بالبيع مطلقاً بأي ثمن كان عند أبي حنيفة.
وعندهما لا يملك البيع إلا بالنقد، وإن لم يعلم أن فيه أحدهما أو كلاهما فباعه بالعرض جاز عند الكل، أما عند أبي حنيفة فظاهر.
وأما عندهما؛ فلأن في هذه الصورة وهو ما إذا لم يعلم أن فيه أحدهما أو كلاهما لا يجوز البيع لا بالدراهم ولا بالدنانير، وإنما يجوز بيعه بالعرض، ومطلق التوكيل بالبيع ينصرف إلى الجائز والفاسد فيصير (١٥٣أ٣) البيع بالعرض هاهنا داخلاً تحت التوكيل.
ولو وكله أن يزوجه بهذا التراب امرأة وهو تراب المعدن أو تراب الصواغين فزوجه امرأة، ينظر إن كان فيه عشرة دراهم أو أكثر فلها ذلك، وإن كان أقل من عشرة دراهم يكمل لها العشرة، كما لو تزوج الموكل بنفسه، ولو وكل أن يبيع سيفاً محلى له أو منطقة مفضضة له فباعه بفضة هي أقل فالبيع فاسد، وكذلك لو باعه بنسيئة فالبيع فاسد، وكذلك لو باعه بشرط فالبيع فاسد.
كما لو باع الموكل بنفسه ولا ضمان على الوكيل؛ لأنه لو ضمن ضمن بسبب فساد العقد ولا وجه إليه؛ لأن التوكيل بالبيع يتناول الجائز والفاسد جميعاً، ولو وكله بحلي به ذهب فيه ياقوت أو فيه زبرجد أو لؤلؤة يبيعه له فباعه له بدراهم نقد وتفرقا قبل القبض بطل حصة الحلي به؛ لأنه صرف وبطل حصة اللؤلؤة، والجوهر أيضاً إن كان لا يمكن تسليمه إلا بضرر، وإن أمكن تسليمه بلا ضرر لا تبطل حصة اللؤلؤة، والجوهر أيضاً إن كان لا يمكن تسليمه إلي.
ولو وكله أن يشتري له فلوساً بدرهم فاشتراه وقبضها فكسدت في يد الوكيل قبل أن يدفعها إلى الموكل فهي للذي وكله؛ لأن قبض الوكيل بمنزلة قبض الموكل من حيث إن الوكيل في القبض عامل للموكل.
ألا ترى أنه لو هلك في يد الوكيل كان بمنزلة ما لو هلك في يد الموكل فكأنها كسدت في يد الموكل.
ولو كسدت قبل أن يقبضها الوكيل، فإن الوكيل بالخيار إن شاء أخذها، وإن شاء ردها هكذا ذكر في «الكتاب» ، قال شيخ الإسلام: وهذا إنما يستقيم طريقه القياس الكساد بمنزلة العيب، ويعيب المبيع قبل القبض يوجب الخيار للموكل، أما لا يستقيم على طريقة الاستحسان؛ لأن على طريقة الاستحسان الكساد بمنزلة الهلاك،