الأول: لأن لا يكون على العبد دين، وفي هذا الوجه لا يجوز الصرف، الوكيل مع العبد كما لو فعل الموكل ذلك بنفسه ولكن لا ضمان على الوكيل؛ لأنه سلم الأمانة إلى عبد صاحب الأمانة فلا يضمن.
كالمودع إذا دفع الوديعة إلى عبد صاحب الوديعة، وإن كان على العبد دين يجوز كما لو فعل المولى ذلك بنفسه، ولكن لا يسلم الوكيل المبيع إلى العبد حتى يستوفي منه الثمن.
ألا ترى أن الموكل لو باع بنفسه كان له الحبس إلى أن يستوفي الثمن، وإذا سلم يبطل حقه في الثمن فكذا في الوكيل.
وإذا وكل الرجل رجلاً بدراهم يصرفها بدنانير هي أقل (من) قيمة من الدراهم إن كان النقصان بحيث يتغابن الناس في مثله يجوز، وإن كان بحيث لا يتغابن الناس في مثله لا يجوز.
أما على قولهما؛ لأن الوكيل بالمصارفة إما أن يعتبر وكيلاً بالبيع أو بالشراء ويأتي ذلك ما اعتبرنا لا يتحمل منه الغبن الفاحش عندهما.
وأما على قول أبي حنيفة: فلأن الوكيل بالمصارفة وكيل بالبيع من وجه وبالشراء من وجه؛ لأن كل واحد من بدلي الصرف ثمن من وجه مثمن من وجه، فمن حيث إنه وكيل بالبيع إن كان يتحمل منه الغبن الفاحش عند أبي حنيفة فمن حيث أنه وكيل بالشراء لا يتحمل منه الغبن الفاحش بالشك، وإن صرفها مع شريك مفاوض للوكيل لا يجوز كما لو صرفها مع نفسه وهذا؛ لأنه بهذا التصرف يثبت للوكيل ملك الرقبة والتصرف (١٥٣ب٣) في نصف الدراهم؛ لأن الدراهم تصير مشتركاً بين الوكيل وبين الشريك فتصير الدراهم للوكيل رقبة وتصرفاً ويثبت له ملك التصرف في النصف الآخر الذي هو الشريك، وله في التصرف في نصيب شريكه منفعة، فإنه يحصل له الربح، فصار في معنى المصارفة مع نفسه من هذا الوجه، وهو لا يملك المصارفة مع نفسه.
وكذلك لو باعها من شريك مفاوض للآمر لا يجوز، كما لو باع الآمر بنفسه؛ وهذا لأن هذا البيع لا يفيد إلا ما كان ثابتاً من قبل؛ لأن الدراهم المبيعة كانت مشتركة بين الآمر وبين شريكه المفاوض والدنانير التي قبضها الوكيل من المفاوض أيضاً مشتركة بينهما فهذا التصرف لا يفيد إلا ما كان ثابتاً فلا يحكم بجوازه، وإن صرفها مع الشريك الآمر في الصرف غير مفاوض له يجوز كما لو فعل الآمر ذلك بنفسه؛ وهذا لأن مصارفة الآمر مع الشريك له في الصرف مفيد؛ لأن الشريك يستفيد بهذا التصرف في هذه الدراهم، ويخرج به ما كان في الشركة وهو الدراهم، فكان هذا التصرف مفيداً فيجوز، وإذا كان يجوز هذا التصرف من الآمر فكذا من وكيله.
وإذا وكل بألف درهم يصرفها وصار بالكوفة ولم يسم له مكاناً، ففي أي ناحية في الكوفة صرفها فهو جائز؛ لأنه لو صرفها في مصر آخر يجوز فهذا أولى، ولو صرفها ثمة فهو جائز ولا ضمان على الوكيل أما جواز البيع؛ فلأن الآمر بالبيع مطلق فلا يتقيد بمكان الآمر إلا بدليل مقيد ولا دليل فيها لا حمل له ولا مؤنة؛ لأن قيمته لا تختلف باختلاف الأمكنة، ففي أي مكان صرفها كان ذلك بأمره فيجوز، وأما لا ضمان على الوكيل وإن