سافر بها، والآمر بالبيع لا يقتضي الأذن بالمسافرة إن لم يثبت مقتضي الآمر بالبيع ثبت مقتضي الآمر بالحفظ؛ لأنه لما دفع الدراهم إليه ليصرفها فقد أمره بحفظها، ولم يقيد الأمر بالحفظ بمكان الآمر نصاً، ولم يتقيد به بدلا له حال الآمر حتى لا يلزمه مؤنة الرد من غير تقصير، ما هو مقصود بالآمر عند الرد عليه إذ ليس له حمل ومؤنة.
فأما إذا كان له حمل ومؤنة كالعبد والطعام وأشباه ذلك فباعها في بلد آخر إن لم ينقلها إلى ذلك البلد جاز البيع قياساً واستحساناً، وإن نقلها إلى بلد آخر وباع ذلك في كتاب الصرف في رواية أبي سليمان أنه إذا نقل الرمكة واستأجر لذلك فإذا ضاع أو سرق منه فهو ضامن.
وإن سلم حتى باع أجزت البيع ولم ألزم الآمر من الآخر شيئاً، وذكر في رواية أبي حفص أجزت البيع إذا باعه بمثل ثمنه في الموضع الذي أمره ببيعه، وذكر هذه المسألة في كتاب الوكالة وقال: استحسن وأضمنه ولا أجيز البيع اتفق عليه رواية أبي سليمان، ورواية أبي حفص، فكان ما ذكر في كتاب الصرف في رواية أبي سليمان: أنه إذا سلم حتى باع أنه يجوز البيع جواب القياس لا جواب الاستحسان، فصار حاصل المسألة أن فيما له حمل ومؤنة إذا باعه الوكيل في مصر آخر جاز قياساً ولا يلزم الآمر شيئاً من الآخر، وفي الاستحسان لا يجوز البيع.
وجه القياس في ذلك: أنه لم يجز البيع في مصر آخر، إنما لم يجز كيلا يلزم المالك الكراء، ولا يلزمه الكراء هاهنا متى جوزنا بيع الوكيل؛ لأن الوكيل في النقل مخالف؛ لأن العرف فيما بين الناس أن من دفع إلى غيره شيئاً له حمل ومؤنة لمبيعهِ قائماً يريد البيع في المكان الذي دفعه إليه حتى لا يلزمه الكراء ومؤنة النقل من غير أن يحصل له مقصوده وهو البيع.
فهو معنى قولنا: أن الوكيل مخالف في النقل فلا يلزم الآمر الكراء فلا يمنع جواز بيعه ولا ترتفع الوكالة بالنقل؛ لأن هذا خلاف من حيث الفعل وبالخلاف من حيث الفعل لا ترفع الوكالة على ما عرف في موضعه.
وجه الاستحسان: لو أخر ما بيعه في مصر آخر، وجعلنا بيعه بأمر الآمر يجب الكراء على الآمر؛ لأن الحمل حصل للآمر فيجب الكراء عليه، ولا وجه إلى إيجاب الكراء على الآمر؛ لأن الآمر لم يرض به.
وبيان: أنه لم يرض به ما ذكرنا من العرف في وجه القياس، بخلاف ما إذا باعه في مصر آخر من غير أن ينقله إلى ذلك المصر؛ لأن هناك لا يلزم الآمر الكراء متى جوزنا بيع الوكيل وهذا هو التخريج لما لا حمل له ولا مؤنة.
وإذا وكل الرجل رجلاً بألف درهم يصرفها له، ثم إن الموكل صرف تلك الدراهم الألف بنفسه فجاء الوكيل بعد ذلك إلى بيت الموكل، وأخذ من بيته ألفاً غيرها وصرفها، فهو جائز على الموكل فلم يجعل الألف التي أضيفت إليها الوكالة متعينة في حق بطلان الوكالة متى صرفها الموكل بنفسه وقال: لو دفع الموكل تلك الألف إلى الوكيل فسرقت من يديه أو هلكت في يده.