والوجه في ذلك: أن الوكالة بالشراء بمعنى الشراء من حيث أنها سبب لثبوت الشراء في الثاني بين الوكيل وبين الموكل، حتى حصل الشراء من الوكيل، فإن الوكيل يصير بائعاً ما اشترى من الموكل، وذلك بالوكالة السابقة.
وهذا كان للوكيل جنس المشتري من الموكل بالثمن، وإذا كانت الوكالة بالشراء سبباً للشراء في الثاني ألحق بالشراء والدراهم والدنانير لا يتعينان في الشراء قبل القبض بإضافة الشراء إليهما، ويتعينان بالقبض فكذا في الوكالة بالشراء التي ألحقت بالشراء، هذا بخلاف ما لو أمره ببيع شئ يتعين بالتعيين، ثم إن الموكل باع ذلك الشئ بنفسه، فإنه تبطل الوكالة حتى لا يكون للوكيل أن يأخذ مثله من بيته ويبيعه؛ لأنا ألحقنا الوكالة بالشراء فما يتعين في الشراء يتعين في الوكالة والفلوس بمنزلة الدراهم في أنها لا تتعين في الشراء فكذا في الوكالة.
وإذا وكله بدراهم يصرفها له بدنانير وهما بالكوفة فصرفها بدنانير كوفية مقطعة فهو جائز في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز إلا إذا صرفها بدنانير شامية وأراد بالكوفية المقطعة الجفاف التي فيها عسر المكسرة، وأراد بالشامية النعال واعلم بأن الوكالة ينصرف (١٥٤أ٣) نقد البلد لما ذكرنا أن الوكالة ألحقت بالشراء والشراء ينصرف إلى نقد البلد فكذا الوكالة، وقد كان نقد البلد في زمن أبي حنيفة الكوفية المقطعة والشامية فأفتى على ما شاهد في زمانه، وصرف الشراء والوكالة إلى المقطعة والشامية، وزمن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله كان نقد البلد الشامية لا غير، فصرف الوكالة والشراء إلى الشامية وأفتيا على ما شاهدا في زمانهما فهذا في الحقيقة اختلاف عصر وزمان.
وإذا وكله أن يشتري له بهذه الدنانير دراهم غلة ولم يسلم غلة الكوفة أو غلة بغداد فهذا غلة الكوفة يريد به إذا كان التوكيل بالكوفة، وهذا لما ذكرنا أن الوكالة معتبرة بالشراء ولو قال: اشتريت منك هذا بألف درهم، وهما بالكوفة كان الشراء على غلة الكوفة فكذا الوكالة، فإن اشترى بها غلة بغداد أو غلة بصرة، فإن كان مثل غلة كوفة أو فوقها جاز؛ لأنه أتى بمثل المأمور به وزيادة، وإن كان دون غلة الكوفة لا يجوز.l
ولو وكله بأن يبيع هذه الدراهم بكذا ديناراً شامية فباعها بدينار كوفية، فإن كانت الكوفية غير مقطعة وكان وزنها مثل وزن الشامية يجوز على الآمر؛ لأنه أتى بمثل ما أمره به إن لم يأت بعين ما أمره به ثم قال: وليس الدنانير في هذا كالدراهم يريد أن الدراهم لا تعتبر زيادة الوزن بزيادة، وفي الدنانير تعتبر زيادة الوزن بزيادة.
حتى قال: لو وكله بأن يبيع هذه الدراهم بكذا ديناراً شامية فباع بكذا دينار كوفية، فإن كانت الكوفية وزنها مثل وزن الشامية جاز على الآمر وما لا فلا.
وقال: فيمن وكل رجلاً أن يبيع هذه الدنانير بكذا دراهم غلة الكوفة فباعها بغلة بغداد وبغلة بصرة قال: إن كان لوغلة كوفة جاز، ولم يشترط أن يكون بمثل غلة الكوفة، وإنما كان كذلك؛ لأن المقصود من الغلة الاتفاق في حوائجه، وإنما يحصل ذلك بغلة