أجعل للشفيع شفعة، يريد بهذا أن البائع مع المشتري إذا اتفقا على فساد البيع بسبب، لو اختلف البائع والمشتري فيما بينهما في فساد العقد بذلك السبب، فالقول قول من يدعي الجوار.
نحو أن يدعي أحدهما فاسداً، فإذا اتفقا على الفساد بذلك السبب لا يصدقان في حق الشفيع، وإذا اتفقا على فساد البيع بسبب لو اختلفا فيما بينهما في فساد البيع بذلك السبب كان القول. قول من يدعي الفساد، فإذا اتفقا على الفساد بذلك السبب يصدقان في حق الشفيع.
وبين ذلك في «المنتقى» : فقال: لو قال المشترى للبائع: بعتها بألف درهم ورطل من خمر فقال البائع: صدقت، لم أصدقهما على الشفيع، ولو قال: بعت فيها بخمر وصدقه البائع، فلا شفعة للشفيع، هذا هو لفظ «المنتقى» .
وجعل القدوري في كتابه المذكور في «المنتقى» قول أبي يوسف في إحدى الروايتين عنه، قال القدوري: لأن أبا يوسف على هذه الرواية يعتبر هذا الاختلاف بالاختلاف من المتعاقدين، ولو اختلف المتعاقدان فيما بينهما فقال المشتري: بعت منها بألف درهم ورطل من خمر، وقال البائع: لا بل بعتها بألف درهم، فالقول قول البائع.
ولو قال المشتري: بعت منها بخمر وخنزير، وقال البائع: بعتها بألف درهم، فالقول قول البائع؛ لأن البيع بخمر لا جواز له بحال، وإنما يجعل القول قول من يدعي الجواز في عقد له جواز بحال، بخلاف البيع بأجل فاسد، أو بألف ورطل من الخمر، فأما على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: إذا اتفقا على الفساد وكذبهما الشفيع فلا شفعة للشفيع على كل حال، كما لو اتفقا على البيع بشرط الخيار للبائع، وكذبهما الشفيع فيه.
في «فتاوى الفضلي» : رجل اشترى من رجل ضيعة عشرها بثمن كثير وتسعة أعشارها بثمن قليل، فللشفيع الشفعة في البيع الأول، ولا شفعة له في البيع الثاني، وهو من جملة الحيل، وسيأتي ذلك في فصل الحيل لأبطال الشفعة إن شاء الله تعالى.
فإن أراد الشفيع أن يحلف المشتري بالله ما أراد به إبطال شفعة لا يحلف؛ لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به لا يلزمه، ولو ادعى الشفيع أن البيع الأول كان تلجئة، وأراد أن يحلف المشتري بالله، أن البيع الأول ما كان تلجئة، فله ذلك؛ لأنه يدعي عليه معنى لو أقر به يلزمه، وهو تأويل ما ذكر في كتاب الشفعة إذا أراد الاستحلاف، إنه لم يرد به إبطال الشفعة، إن له ذلك إذا ادعى أن البيع كان بيع تلجئة.
وقد ذكرنا في الفصل المتقدم: أن المشتري إذا كان واقفاً مع ابنه فسلم الشفيع على المشتري لا تبطل شفعته، فلو سلم الشفيع على المشتري لا تبطل شفعته، فلو سلم على أحدهما بأن قال: السلام عليك ولا يدري على من سلم، سئل الشفيع إنه سلم على الأب أو على الابن، فإن قال: على الأب، لا تبطل شفعته، وإن اختلفا فقال المشتري: سلمت على ابني وقد بطلت شفعتك، وقال الشفيع: سلمت عليك، فالقول قول الشفيع؛ لأن حاصل اختلافهما في بطلان حق الشفيع، فالمشتري يدعي عليه بطلان حقه وهو ينكر.