كان مؤذن مكة وكان في ابتداء إسلامه، فلما انتهى إلى ذكر رسول الله عليه السلام أنه خفض صوته استحياءً من أهل مكة؛ لأنه كان حديث العهد بالإسلام (فأمسك) رسول الله عليه السلام أذنه، وأمره بأن يعود، فيرفع صوته ليكون تأدياً.
قال والأذان والإقامة مثنى مثنى عندنا، وقال الشافعي رحمه الله: الإقامة فرادى إلا قوله قد قامت الصلاة، فإنها مرتين لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي عليه السلام «أمر بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة» ؛ ولأن الأذان لإعلام الغائبين، والتكرار فيه أبلغ والإقامة لإقامة الصلاة، والإفراد بها يكون أعجل لإقامة الصلاة، فهي أولى.
ولنا: حديث عبد الله بن زيد فهو الأصل. وقد حكى فيه الإقامة مثل الأذان، ولأن المحض بالإقامة قوله قد قامت الصلاة، ولا إفراد في هذه الكلمة، ففي غيرها أولى، وحديث أنس فمعناه أمر بلالاً أن يؤذن بصوتين ويقيم بصوت واحد والأفضل للمؤذن أن يجعل أصبعيه في أذنيه قال عليه السلام (لبلال) رضي الله عنه: «إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك، فإنه أندى وأرفع لصوتك» ، ولأن المقصود من الأذان الإعلام، وذلك برفع الصوت وجعل الإصبعين في الأذنين يزيد في رفع الصوت، وعن هذا قلنا الأولى أن يؤذن حيث يكون أسمع للجيران، وإن ترك ذلك لم يضره.
وقال في «الجامع الصغير» : فهو حسن، قالوا خلاف السنّة كيف يكون حسناً؟ والجواب أنه ليس بسنّة أصلية؛ أنه ليس في حديث النازل من السماء ذلك، ولكن أمر رسول الله عليه السلام بلالاً بذلك؛ لأن صوته يدخل أذنه، فربما يضعفه فإذا كان ذلك لا يؤثر فيه لا يكون بتركه (٥٣ب١) بأس ولا يجهد نفسه لما روي أن عمراً رضي الله عنه رأى مؤذناً يجهد نفسه في الأذان فقال: أما يخاف أن تنقطع من تطاوللك والتثويب في الفجر حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح بين الأذان والإقامة حسن، ويكره التثويب في سائر الصلوات، هذا هو لفظ «الجامع الصغير» ، وذكر في «الأصل» ولا تثويب إلا في صلاة الفجر عندنا، والأصل فيه قوله عليه السلام لبلال رضي الله عنه «ثوِّب في الفجر، ولا تثوب في غيرها» .
والمعنى في المسألة أن وقت الفجر وقت نوم وغفلة، فاستحسنوا زيادة الإعلام لتنبيه الناس، فيدركون فضيلة الصلاة بالجماعة، أما أوقات سائر الصلوات أوقات انتباه، فلا حاجة إلى التثويب فيها، وقال يعقوب: لا أرى بأساً أن يذهب المؤذن إلى باب الأمير في جميع الصلوات، ويقول السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حيّ على الصلاة