أحدهما: أن الدوام على السكنى بعد ما علم بالعلم محتمل بين أن يكون لاختيار الملك فيسقط خياره، وبين أن يكون لعجزه عن الانتقال لأن الانتقال من دار إلى دار لا يمكن إلا بكلفة ومؤنة وربما لا يتهيأ له ذلك فلا يكون اختياراً للملك مع الشك فلا يسقط خياره بخلاف الدوام على الركوب واللبس؛ لأنه اختيار الملك؛ لأنه لا عجز عن النزع والنزول، فكان لاختيار الملك فعلى قول هذه الطريقة، يقول: إذا أنشأ السكنى بعدما علم بالعيب يسقط خياره؛ لأن إنشاء السكنى لا يكون إلا لاختيار الملك؛ لأنه لا يحتمل العجز عن الانتقال، ومحمد رحمه الله لم يذكر فصل إنشاء السكنى في بعض روايات كتاب القسمة، إنما ذكر فصل الدوام.
الطريق الثاني: أن الدوام على السكنى محتمل بين أن يكون بالملك الحادث المستفاد بالقسمة من جهة صاحبه، فيدل على اختيار الملك، وبين أن يكون بملكه القديم؛ لأن كل واحد منهما يملك ذلك بملكه القديم من غير رضا شريكه؛ لأن الناس لا يتفاوتون فيه وعلى هذا الاعتبار لا يكون اختياراً للملك فلا يثبت أنه الاختيار بالشك، بخلاف الدوام على اللبس والركوب؛ لأنه لا يحتمل أن يكون بالملك القديم؛ لأن أحد الشريكين لا يملك ذلك من غير رضا شريكه لما أن الناس يتفاوتون في الركوب واللبس فتعين أن يكون بالملك الحادث، فعلى قول هذه الطريقة نقول: إذا أنشأ السكنى بعد ما علم بالعيب لا يسقط خياره، وإلى هذا أشار في بعض روايات هذا الكتاب.
وأما في البيع المحض هل يسقط خيار العيب بالسكنى دواماً كان أو أنشاءً فلا ذكر لهذه المسألة في كتاب البيوع، وقد اختلف المشايخ فيه.
فمن سلك الطريق الأول في مسألة القسمة يقول: خيار العيب في القسمة والبيع المحض يبطل بإنشاء السكنى ولا يبطل بدوامه، ومن سلك الطريق الثاني يقول: خيار العيب في القسمة والبيع المحض لا يبطل بإنشاء السكنى ولا بدوامه.
ومن المشايخ من فرق بين البيع المحض، وبين القسمة فقال: في البيع يبطل خيار العيب بالسكنى إنشاء ودواماً، وفي القسمة لا يبطل خيار العيب بالسكنى لا إنشاء ولا دواماً.
والفرق: أن السكنى في فصل القسمة دواماً كان أو إنشاء يحتمل أن يكون بالملك القديم، فأما البيع لا يحتمل أن يكون بالملك القديم دواماً كان أو إنشاءً فيتعين أن يكون بالملك الحادث المستفاد بالبيع، فيكون اختياراً للملك، فلهذا افترقا.
وأما في خيار الشرط إذا سكن الدار في مدة الخيار، أو دام على السكنى.
ذكر محمد رحمه الله في كتاب البيوع: إذا سكن المشتري الدار في مدة الخيار سقط خياره، ولم يفصل بينما إذا أنشأ السكنى وبينما إذا دام على السكنى، فمن فرق من المشايخ بين إنشاء السكنى وبين الدوام عليه في مسألة القسمة يفرق بينهما أيضاً في خيار الشرط.