والفرق: أن حق الوارث والموصى له بالثلث أو الربع في عين التركة، فإذا أرادوا أن يعطوا حقه من مالهم فقد قصدوا شراء نصيبه من التركة فلا يصح إلا برضاه، ألا ترى أن في الابتداء لو أرادت الورثة أن يقتسموا جميع التركة فيما بينهم، ويقضوا حق وارث آخر وحق الموصى له بالثلث والربع من مالهم ليس لهم ذلك وطريقه ما قلنا، أما حق الغريم والموصى له بألف من ماله ليس في عين التركة بل في معنى التركة من حيث الاستيفاء من مال التركة، وأيضاً حقهم من التركة ومن مال الوارث سواء.
ألا ترى أن في الابتداء لو أردوا أن يقسموا جميع التركة بينهم ويقضوا حقهما من مالهم كان لهم ذلك كذا ها هنا.
قال: وكذلك لو قضى واحد من الورثة حق الغريم من ماله على أن لا يرجع في التركة، فالقاضي لا ينقض القسمة بل يمضيها؛ لأن حق الغريم قد سقط ولم يثبت للوارث دين آخر لما شرط أن لا يرجع، فأما إذا شرط الرجوع أو سكت فالقسمة مردودة إلا أن يقضوا حق القاضي من مالهم؛ لأن دين القاضي في التركة بمنزلة دين الغريم وهذا الجواب ظاهر فيما إذا شرط الرجوع مشكل فيما إذا سكت، وينبغي أن يجعل متطوعاً إذا سكت.
والجواب إنما يجعل متطوعاً لأنه مضطر في القضاء، ألا ترى أن الغريم لو قدمه إلى القاضي قضى القاضي عليه بجميع الدين؛ لأنه لا ميراث إلا بعد الدين.
ثم ما ذكر أن الورثة إذا قسموا التركة وظهر وارث آخر، أو موصى له بالثلث أو الربع فالقاضي ينقض القسمة فذلك إذا كانت القسمة بغير قضاء قاضي، فأما إذا كانت القسمة بقضاء القاضي، ثم ظهر وارث آخر أو موصى له بالثلث فالوارث لا ينقض القسمة إذا عزل القاضي نصيبه، وأما الموصى له فقد اختلف فيه المشايخ.
قال بعضهم: لا ينقض وإليه أشار محمد في «الكتاب» فإنه قال في فصل الموصى له: له أن ينقض القسمة إذا كانت القسمة بغير أمر القاضي فهذا إشارة إلى أنها إذا كانت بقضاء فالقاضي لا ينقض القسمة، وهذا لأن الموصى له بالثلث شريك الورثة بمنزلة أحدهم، والوارث لا ينقض القسمة إذا كانت القسمة بقضاء، فكذا الموصى له. وبعضهم قالوا: ينقض، وفرقوا بين الموصى له وبين الوارث والأول أصحّ.
ولو كان للميت وصي يقسم التركة، وعزل نصيب الوارث أو عزل نصيب الموصى له بالثلث صح قسمته على الوارث، ولم يصح على الموصى له، وإذا كان بعض التركة ديناً فاقتسموها، وشرطوا الدين في قسم بعضهم فالقسمة فاسدة؛ لأنهم باعوا الدين من غير من عليه الدين، وكذلك إذا اقتسموا الدين فيما بينهم فالقسمة فاسدة؛ لأن القسمة للإقرار وذلك لا يتحقق في الدين قبل القبض؛ لأن قبل القبض الدين مجتمع في مكان واحد، وإن كان الدين على الميت فاقتسموا على أن ضمن كل واحد منهم أو أحدهم الدين الذي على الميت، فهذا على وجهين:
الأول: أن يكون الضمان مشروطاً في القسمة، والحكم فيه أن القسمة فاسدة؛ لأن